للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أقنعتني هذه الحقائق منذ البداية أن تركيا لم تكن قد ماتت بل بالعكس كانت الحكومة المركزية تمثل وحدها الجزء الفاني المحطم في البلاد، أما تركيا الحقيقية فكانت موجودة يستطيع من يريد أن يلمسها، فكان في اعتقادي من خطل الرأي محاولة تضييق حبل الخناق كثيراً - لأن في تضييقه انتقال تركيا إلى آسيا وبقاءنا نحن في استنبول وسط بلد مهجور.

هذا الري الذي كونته لنفسي عن الحالة والمستقبل بادرت بإخبار حكومتي به وأبلغته في نفس الوقت إلى مؤتمر باريس. وصارحت روما بأنني لا يسعني أن اخدم بلادي الخدمة الحقيقية إلا إذا حصرت الجهد كله للوصول إلى صلح عاجل يعطي إيطاليا كل المزايا الممكنة في الأراضي التركية بشرط الإقلاع عن أي فكرة ترمى إلى القضاء على وحدة البلاد.

ولم أكن أجهل المشروع الذي وضع لتقسيم الأراضي التركية إلى مناطق نفوذ بين الدول، وأعلم أيضاً أن هذا المشروع يوافق هوى الدوائر الرسمية في باريس، ولكني لم أعطي نفسي حق الوقوف عند ذلك - بل تيقنت أن رأيي هو الذي يلتئم مع الحقائق التي أمامي، وأن من الواجب علي لمصلحة بلادي أن أصارحها به لعلمي أنه يغلب في النهاية أن يكون الرأي المتبع.

وكنت أنتظر من الحكومة استدعائي من مركزي بعد تصريحي بهذا الرأي ولكن لم تبد من جهة أورلاندو ولا سونينو (أولهما رئيس الوزارة والثاني وزير الخارجية) أي بادرة لمعارضتي في هذا الرأي مما دل على موافقتهم لي ضمناً - وإنما كتب لي سونينو بعد ذلك، أنه إذا أظهرت الأيام فساد هذا الرأي وعدم مطابقته للواقع فأنه سيترتب على ذلك تنصل الحكومة الإيطالية من تبعة أعمالي وإعلانها عدم موافقتها على سياستي.

وكان السلطان ضعيفاً لا يقر على رأي حتى ينقضه مهتماً بمستقبل عائلته أكثر من اهتمامه بمستقبل بلاده وشعبه. وكان مظهره وحركاته مثلاً تاماً لسليل عائلة انتهى عملها وظهرت بوادر فنائها.

واختار له وزيراً أول الداماد فريد باشا؛ وهو كما يدل عليه أسمه صهر للبيت المالك بزواجه من الأميرة خالدة، وهو مثل لما تفرغه التربية الإنجليزية في عقلية شرقية، لأنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>