القصصي مكان في العربية. فمطران أول شاعر نظم شعراً قصصياً بالمعنى المعروف. ولا شك أن هذه النزعة في شعر مطران تساير نزعته الإبداعية في سائر فنون الشعر التي نظم فيها. ولعل من روائع هذه القصص الشعرية قصيدة (الجنين الشهيد) التي لا مثيل لها في الشعر العربي، وقصيدته (فتاة الجبل الأسود) و (العصفور) و (فنجان قهوة) و (نيرون) التي تعد من عيون الشعر القصصي.
ومطران واقعي في قصصه الشعري لا يحلق به الخيال في آفاق مفقودة بيننا في الحياة العادية، ولكنه يستلهم الحوادث المألوفة لنا في الحياة الواقعية ويفرغها في قالب قصصي رائع بديع.
وقصصه الشعرية تستأهل دراسة مستفيضة منفصلة عن باقي شعره؛ ذلك بأن القصص هو العنصر الفذ الذي قامت عليه شاعرية مطران.
ولخليل مطران (تجارب شعرية) رائعة أمتاز بها على المعاصرين من شعراء العصر الحديث، نذكر من هذه التجارب الشعرية قصيدته الرائعة (المساء) وقصيدته (الحمامتان) وقصيدته (الشمس والنبتة) وقصيدته (بدري وبدر السماء) التي خلع فيها على أحداث الطبيعة سمات البشرية.
ويلاحظ في شعر مطران ظاهرة واضحة هي أنه لا يعنى بالبيت منفرداً كما هي عادة العرب حيث (ينفرد كل بيت من القصيدة بإفادته في تركيبه حتى كأنه كلام وحده مستقل عما قبله وعما بعده) وإنما يعني مطران بالوحدة الفنية في القصيد كله، ولذلك نشعر بانسجام تام وتسلسل بديع إذا قرأنا له قصيدة من قصائده الوجدانية جملة واحدة بينما يفسد ذلك تجزئة القصيدة كما تنال من الوحدة الفنية فيه.
أما عن الخيال عند مطران فإن نشأته بين الخضرة والماء والصخور في ربوع الشام وجبل لبنان، ثم في ربوع الوادي وربى الأهرام، فتق خياله عن معان عبقرية رائعة. استمع إليه من قصيدة يستقبل بها الشام: