للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

استقلال فعلي حقيقي لتركيا.

وكان قد لجأ إلى بروسة في تلك الأيام السيد أحمد السنوسي الزعيم الديني المشهور في برقة حينما أيقن من ضياع آماله في إخراج الإيطاليين من بلاده. ولما كنت مقنعاً بأن السياسة العملية الوحيدة لتوطيد الأمن والسلام في ربوع المستعمرين الإيطاليتين تتلخص في إعطاء الأهالي الوطنيين شيئاً من الحكم الذاتي الواسع النطاق، لم أتردد لحظة واحدة في قبول المفاتحات التي عرضها على أصدقاء السيد السنوسي باستنبول، وفعلاً دخلت معه في محادثات طويلة على الطريقة المعتادة للشرقيين انتهت به إلى فهم وتقدير مشروع اتفاق مع الحكومة الإيطالية يعطى للسيد السلطة متسعة في الداخل على شرط أن يعترف نهائياً بسيادة إيطاليا على بلاده وأن يعطى المواثيق بتشجيع ومساعدة المصالح الاقتصادية والسياسية في بقية الجهات الواقعة تحت حكم إيطاليا مباشرة في طرابلس وبرقة.

وقد عقد فعلاً وزير المستعمرات الإيطالية السنيور لويجي روسي على أساس هذه المحادثات اتفاقاً حكيماً جنت منه إيطاليا ثمرات عديدة حتى جاءت الحكومة الفاشية فضربت به عرض الحائط، لأنها وجدت في المستعمرتين ميداناً واسعاً لاستغلال منشوراتها وتقاريرها عن انتصاراتها الحربية التي يتضح للمتأمل عبث القيام بها بجانب ما تتكلفه من التكاليف والخسائر.

ولم يكن منتظراً بقاء مثل هذه المحادثات في طي الخفاء ونحن في جو استنبول لأنها سرعان ما تنتقل إلى علم أنصار مصطفى كمال وقد يعملون على إحباطها، ولذلك رأيت من المصلحة إبلاغه عنها فجاءني منه الرد الآتي:

(كان علة شقائنا وسقوطنا محاولتنا المحافظة على سيادة تركيا على الأقطار العربية فنحن لا نريد أن نسمع من الآن شيئاً عن ذلك، والسنوسي حر في أن يفاوضكم على ما يرغب وأن تتفقوا معه على ما تريدون).

ولقد زادني هذا الرد القاطع المقرون بالصراحة اعتقاداً في أننا على وشك أن نلمس عصر إحياء جديد في النفس التركية - ووصل مصطفى كمال إلى أوج ما ينشد من المجد والسلطة فلم يغير من خطته هذه - وهو موقف يستدعى الإعجاب والتقدير وهو نادر في نفس الوقت.

<<  <  ج:
ص:  >  >>