أسكنت قلبي لحدك ... لا خير في العيش بعدك
يسيل أحمر دمعي ... لما تذكرت خدك
وقدَّ بالهم قلبي ... لما تذكرت قدَّك
يا سائل الدمع إيه ... فما أجوَّز ردك
أقصدتني يا زماني ... كأنني كنت قصدك
وكان ما خفت منه ... فاجهد الآن جهدك. . . الخ
نبا بابن المقام بمصر، فنزح إلى دمشق ولقي وزراءها أبناء فضل الله العمري، ووجد من لدنهم شيئاً من الخير والبر أطلق لسانه مادحاً مشيداً بذكرهم، حتى قال:
من مبلغ الأهلين عني أنني ... بدمشق عدت لطيب عيشي الأرغد
وأمنت من نار الحطوب ولفحها ... لما لجأت إلى الجناب الأحمدي
ويقول شهاب الدين بن فضل الله:
نظرت أبا العباس نظرة باسم ... لحال امرئ كاد الزمان يبيده
فأحييته بعد الردى وأقمته ... وقد طال من تحت التراب هموده
ولكنا لا ندري بالضبط ما الذي نفره من دمشق فزايلها إلى حماة، إلا ما كان في نفسه وطبيعته من حب التنقل، وكراهة الاستقرار. ولعل أريحية المؤيد صاحب حماة، جاذبته عصا تسياره ورحل أسفاره. وهناك في حماة وجد طمأنينة وبلهنية، ورفاهة ونعيماً، وصحبة كريمة، وظفر منه المؤيد وأبنه الأفضل، لقاء ذلك، بأعطر ما تطمع فيه الملوك من القصيد. قال يذكر لقاء المؤيد له ويمدحه:
زمن الأنس قائم بالتهاني ... ونوال الملك المؤيد يسري
ملك باهر المكارم يروي ... وجه لقياه عن عطاء وبشر
زرت أبوابه فقرب شخصي ... ومحا عسرتي ونوه ذكرى
ونحا لي من المكارم نحواً ... صانني عن لقاء زيد وعمرو الخ
غير أن الزمان تجهم له في حماة. ولعل ذلك بسبب وفاة المؤيد ثم زوال الأفضل، فعاد إلى دمشق يطرق أبواب وزرائها مرة أخرى، فأدخله ابن فضل الله في ديوان الرسائل. وهكذا نال في شفق حياته ما حرمه وعز عليه في ضحاها. وضج لسانه بشكر ابن فضل حيث