للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العربية واتخاذها مادة أساسية بتلك المدارس، ولا بد أن يعارضوا في ذلك ويلتمسوا لمعارضتهم أسباباً تحمل (ماركة) البرود الإنجليزي المشهورة. . . قالوا: إن هذه خطوة سابقة لأوانها! واعتلوا بعدم وجود مدرسين للغة العربية ملمين باللغة المحلية الجنوبية: أنه يجب ألا الإنجليزية ولا تفتح أبوابه إلا للإرساليات المسيحية التبشيرية، أي يجنب كلُّ ما يربطه بالشمال من تلك الروابط التي تقلق البال البريطاني ولعلك تعلم أن في (ملكان) من جنوب السودان مدرسة ابتدائية مصرية أنشأتها وزارة المعارف المصرية منذ سنوات هناك حيث توجد إدارة للري المصري، وأن هذه المدرسة يعلم فيها معلمون مصريون أبناء الجنوب باللغة العربية، ويمتحن تلاميذها في امتحان الشهادة الابتدائية المصرية، وقد نجحت جهود هذه المدرسة نجاحاً ملحوظاً. فهل المعلمون المصريون يفهمون اللغة المحلية في جنوب السودان أكثر مما يفهمها معلمو شمال السودان؟

ثم كيف توافر معلمو اللغة الإنجليزية الذين يعرفون لغة أهل الجنوب دون أن يتوفر مثلهم معلمون للغة العربية؟ إذا كان معلمو الإنجليزية من السودانيين الشماليين فحكمهم حكم من يعلمون اللغة العربية من مواطنيهم، وإن كانوا من الإنجليز فما أحسبهم يدعون أن هؤلاء هم الذين أوتوا القدرة على فهم لغة الجنوب.

إن ما يبديه البريطانيون في السودان بهذا الصدد إنما هو تعلات يقصد بها الوقوف في وجه الثقافة المصرية ووجه انتشار التعليم على العموم، فهم لا يريدون تعليماً يستنير به المتعلمون وإنما يريدون تعليماً (يجلنز) وحسب. وزمام الإنجليزية في يدهم يطبعون من يعلمونه بها كما يشاءون، بخلاف الأمر في تعليم العربية غير المأمون.

وتلك (التعلات) ليست جديدة علينا، فقد سمعناهم من عهد قريب يقولون - لمعارضته التوسيع في إنشاء المدارس المصرية بمدن السودان - إنه ليس من مصلحة البلاد تعدد الثقافات فيها وقد فندت هذا القول في حينه. ثم خطب بعد ذلك معالي الأستاذ على أيوب وزير المعارف في حفاة نهاية العام الدراسي الماضي بكلية فيكتوريا الإنجليزية فقال إنه يرى نجاح هذه الكلية في مصر دليلا على فائدة تعدد الثقافات!

وكانت هذه رمية مسددة من معاليه كان أحرى بالإنجليز في أن يبعثوا بها إلى زملائهم في السودان، ولكنهم لم يفعلوا لأنهم يوقنون أن ما يقوله الزملاء هناك إنما هو (تعلات).

<<  <  ج:
ص:  >  >>