وقد حدثني صاحبي - وما عهدته يكذب - بقصة أسوقها لقراء الرسالة، أنا أعلم أن الجم الفقير منهم سيزم شفتيه، وبجحظ بعينيه، ويرسل خياله في الأفق ثم يقول: أين، ومتى؟ وأن القليل، أو الأقل من القليل، سيتغافل، ويقول: يحتمل، ولكنني على كلُّ حال واثق من صدق صاحبي، مؤمن بما قال، وقد أوجز قصة صاحبته فقال: هي فتاة لم تبلغ العشرين من عمرها، وهذه السن هي سن الطيش والنزق عند الفتيان والفتيات، ولكن هذه الآنسة أثبتت بسلوكها أن الفتاة المتدنية المحافظة، المترفعة بنفسها، الخاضعة لكبريائها، تستطيع أن تكون قوية الإرادة، صادقة العزيمة، فلا تندفع وراء عواطفها، ولا يجرفها التيار، رأته فأحبته، أحبته حباً شديداً ملك عليها نفسها، وسيطر على مشاعرها، وكما يقول الرافعي رحمه الله:(أراه حباً فالقاً كبدي) كان شاباً مديد القامة، أبيض الوجه، مفتول العضل؛ وكان فوق ذلك (فناناً)، أحبته، وتطلعت نفسها إليه، وأوشكت أن تنزل إلى الشارع لتتحدث إليه، وتنعم بقربه، ولكنها - بعد جهاد نفسي عنيف - خضعت لكبريائها، ونزلت عند تقاليد أسرتها، فآلت على نفسها أن تتجلد، وتتحمل، وأن تترك حبه يفعل في نفسها ما يفعل.
قال صاحبي: وأتيح لي أن أطلع على سرها وأن أتحدث إليها فيه، فسألتها مرة: كيف عرفت هذا الفتى؟ قالت: ذلك أسم مقدس، لا أسمح لنفسي أن تنطق به، ولا أبيح لغيري أن ينطق به أمامي، قلت: هل تريدينه زوجاً لك؟ قالت: لا. أنه جميل، إنه أجمل مني، وأنا لا أصلح له. إن يتزوج بفتاة جميلة تسعده، ولا أريد أن يضحي بعواطفه في سبيلي. قلت: كأنه يحب أخرى، قالت نعم، قلت هذا شاب صغير النفس، قالت تريد شيدي، أرجو أن تتأدب في الحديث عنه. إنني أحبه حباً خالصاً؟، لا أريد من ورائه ما تريده الفتيات أمثالي، وسأضل وفية له، ولو أحب مائة فتاة أخرى. ويا حبذا لو استطعت أن أقدم إليه ما يساعده على بلوغ آماله.
تلك هي قصة هذه الفتاة المثالية، فما رأي قراء الرسالة؟