فأومأت برأسي إيجاباً، فإذا هو يصمت لحظات؛ ويرنو إلى بعيد فلا أرى في عينيه غير الشرود. إنه لم يفكر في هذا من قبل، وها هو ذا غير مطمئن ولا مستقر، كأنما كانت تخيفه فكرة الزواج.
وكان هذا شأنه أيضاً يوم سألته لماذا لا يخطب ابنة عمه التي كانت تهوى إليه بكل ما في كيانها من حب، وكانت تنعم بحظ وافر من الجمال والأناقة والثقافة. . . وقد حدثني هو نفسه عنها، ولم يخف علي أنه معجب بها، وأنه سعيد في أن يشعر نحوها بالحب، ولكني إذ جابهته بفكرة الزواج، ألقيته يعود إلى حيرته وتردده، كأنما لم يكن له الخيار في أمره. . .
على أن صديقي أخفى عني أمراً واحداً، هو أنه كان على علاقة بفتاة ثالثة لم يحدثني عنها لحظة، وقد رأيته في صحبتها غير مرة في مطعم أو ملهى. . . وفاجأته ذات مساء بذكرها فعراه الارتباك، ثم أخذ يضحك قائلاً:
- لم أحدثك عنها خجلاً منك. . . إنني أبالغ حقاً في علاقاتي مع النساء!
- فبادلته ضحكته، ولكني لم أجرؤ على مصارحته بأني بت أخشى عليه كلُّ الخشية، وإني أود لو يقر في حياته على قرار. . . هكذا كان رفيق: تحسبه إذا رأيته سعيداً مرحاً راضياً، فإذا أحببت أن تكشف عن دخيلته، ألقيت فكره وحسه غارقين في أمواج متلاطمة من الحيرة والشك والاضطراب.
لقد كنت أقرأ في عينيه أن شقي في أعماقه، وأنه لا يدري هو نفسه ما الذي يريد. وكان هذا الاضطراب مسطراً في نظراً الشاردة التي لا تستقر على معنى. . . بل كنت ألاحظ أنه كان يحاول جاهداً أن يتفادى النظر في عيني والتحديق بهما، كأنما كان يخشى أن اشرف من عينيه على عالمه النفسي المتهافت. . .
ولم أجد آخر الأمر مناصاً من أن أجابهه برأيي الصريح، فانتهزت فرصة أدركت أنه كان متهيئاً فيها للبوح والبث، وساءلته بلهجة لا تخلو من تعنيف:
- إلام تنتظر يا رفيق؟ ألست راغباً في أن تستقر بحياتك على قاعدة؟ أنك الآن في فجر