ما زال يثلجني ويجرحني! حتى لو بكيت يا أبي فإن دموعك تسيل على وجهك الذي ظل عشرين عاماً وهو يتجهم لي!!. . . وعلى ذلك فلا بد لبناء شيء بيننا من أن نهدم أولا كل شيء، ولكي أحبك لا بد لي من أن أنساك. . . ولكي تزداد قرباً مني ينبغي أن تزداد بعداً. . . سافر إذن لأفكر فيك. وأكتب إليك. . . ولكي تكون أبي الذي بعد عني والذي سيعود إلي. . . أبي المجهول الذي لا يعرفنني، والذي سيجيء يوماً ما. . . سوف ترى، فإنه ما إن يتم البعد بينا قليلاً حتى يشب الحب بيننا قليلاً. . . وفي رسالة من رسائلنا، نزداد جرأة عل إبدائه، والتعبير عنه. . . ثم نتحاب حقاً يوماً، وعندئذ تعود. . . أتريد ذلك يا أبي)؟ ويجيبها الأب وهو يجر قدميه مندفعاً إلى الخارج وفي صوته رائحة الدموع: نعم يا بنيتي. . . وسأنتظر رسالتك الأولى!!
فتاة كما قلت لك ليست ككل الفتيات، لأن القلم الذي قدمها إلى الناس قلم كاتب ليس ككل الكتاب. . . وأقرأ بعد ذلك للصاوي قصصاً أخر وبعضها لكتاب آخرين من الأدب الفرنسي، ومهما بدا لك من الاعتراض هنا وهناك فلن تستطيع أن تنكر على الصاوي أنه إنسان، إنسان يستشير قلبه في قصصه حين يكتب، ويرجع إليه دائماً في قصص غيره حين يعرب! اقرأ مثلاً في الفصل الأول قصة الفتاة التي تضحي بحبها الذاتي في سبيل الكرامة، وفي الفصل الثاني قصة الفتاة التي تضحي بحبها الأبوي في سبيل الزوج، وفي الفصل الرابع قصة الفتاة التي تضحي بحبها الخيالي في سبيل الوطن! واقرأ إذ شئت في الفصول الأخرى ألواناً من المرأة وألواناً من الحب، وإذا كانت هذه الألوان لا تبلغ المستوى الرفيع في قصة الكاتب الفرنسي والقصص الأربع التي أشرت إليها في الفصل الأول والثاني والرابع والأخير، فحسبك أن خفقات القلب فيها تسبق وثبات القلم!
بعض الرسائل من حقيبة البريد:
قلت وما زلت أقول لماذا يؤثر بعض القراء أن يظلوا مجهولين وهم أصدقاء؟. . هذه رسالة من (القضارف - سودان) تحمل إلي من أديب لم يذكر اسمه تحية ملؤها التقدير الكريم لهذا القلم المتواضع الذي يسطر تعقيباته من أسبوع إلى أسبوع. إن هذه التحية الكريمة وأمثالها من التحايا الصادرة من أعماق الشعور والقلب والعاطفة، لتؤكد لي أن رسالة الأدب بخير ما دام هناك خلق وعقل وذوق ووفاء، أما أنا فلا أملك لهؤلاء القراء