أرقاء. ولقد كان المفكرون من جميع المدارس يجدون صيغة مرنة تعينهم على ان يراعوا النظام العتيق، وكأنهم يحملون عليه بإحدى اليدين ويؤيدونه باليد الأخرى. ابحث ما شئت في التاريخ، فانك لن تجد ذلك المشهد الرائع: مشهد مذهب يقوم فيقضي على الرق. ولكن من حسن الحظ ان هناك أخلاقا واقعية كانت تعمل وتؤثر، بينما كان الفلاسفة يكتبون ويتكلمون. وتلك الأخلاق الواقعية هي التي ألهمت (نيرون) ذلك المحسن إلى الإنسانية، ان يحقق ذلك العمل الثوري العظيم الذي أباح للرقيق إذا عومل معاملة بالغة القسوة ان يرفع شكواه إلى القضاء. وألهمت القرارات الكثيرة التي أصلحت حال الرقيق ثم الموالي. فماذا كانت حقيقة تلك الأخلاق الواقعية؟.
لو سئل الذين كانوا أول من عمل هذه الأخلاق، يقومون في متناقضات تستدعي الإشفاق حين يستهدفون إلى الإشارة بهذا الصدد إلى شئ من المبادئ. ولكنا نرى بعد حين النهج الذي سلكوه، والذي انتهى إلى حقوق الإنسان. ان الأخلاق الصامتة المتضمنة في جهودهم المتواصلة أقوى من العبارات المزعومة التي نقرأها في كتب الفلاسفة).
اجل، بينا كان الفلاسفة يكتبون ويناقشون مذاهبهم الفلسفية في الأخلاق كانت عناك في ضمير الشعب فلسفات أخلاقية صامتة، تؤثر اثراً قوياً ولكن في صمت حتى تحققت بعد ان كان أملا تهفو إليه النفوس ذلك هو التحرير من الرق والعبودية.
الفلسفة في الإنتاج الأدبي
ألا ينهض ذلك دليلاً على ان الفلسفة تمد جذورها في حياتنا إلى أعماق سحيقة؟ وان لحظات قد تواتي جمهور الناس - رغم طغيان المشاغل اليومية - فتنف بصائرهم إلى هذه الأعماق، وتغوص عقولهم إلى القاع لتصعد محملة بلآلئ الأفكار يذيعونها أمثالا مأثورة أو حكما، وقد لا يفصحون عنها لفظاً ولكن تفصح عنها حياتهم بما تنطوي عليه من معنى فلسفي؟ ولو تركنا طبقة الجمهور إلى طبقة الكتاب من غير الفلاسفة، لوجدنا في طيات كتبهم نظرات وتعميمات فلسفية. مثال ذلك: مسرحيات سوفوكليس وشكسبير وموليير وروايات برناندشو واندريه جيد ونجيب الريحاني وشارلي شابلن وجوته، نرى فيها جميعاً لمحات فلسفية منبثة هنا وهناك في أنتاجهم، وطالما كانوا اكثر توفيقاً من الفلاسفة؛ إذ سرعان ما تنفذ اتجاهاتهم إلى شعاب نفسك في يسر لتستقر في الأعماق. وما ذلك إلا لأنهم