أذابك الجوع مذ صارت عيالتنا ... على الخليفة منه الرَيُ والشبع
لا والذي يا أمير المؤمنين قضى ... لك الخلافةَ في أسبابها الرَفع
ما زلت أخلصها كسبي فتأكله ... دوني ودون عيالي ثم تضطجع
شوهاء مشنأةُ في بطنها ثجَلُ ... وفي المفاصل من أوصالها فدع
ذكرتها بكتاب الله حرمتنا ... ولم تكن بكتاب الله تنتفع
فاخرنطمتْ ثم قالت وهي مغضبةُ ... أأنت تتلو كتاب الله يا لكعُ
أخرج لتبلغ لنا مالاً ومزرعة ... كما لجيراننا مال ومزدَرَعُ
واخدع خليفتنا عنها بمسألة ... ان الخليفة للسؤال ينخدع
ولقد انخدع أبو جعفر حقا بهذه المسالة فانه ضحك ثم قال: أرضوها عني واكتبوا له بمائتي جريب عامرة ومائتي جريب غامرة فقال له: أنا اقطعك يا أمير المؤمنين أربعة آلاف تجريب غامرة فيما بين الحيرة والنجف، وان شئت أزدك. فضحك وقال: اجعلها كلها عامرة.
ولعلك تذكر أن قد مر بك - حول الجريب العامر والجريب الغامر محاورة شبيهة بهذه بين أبي دلامة والسفاح فلا تسرع إلى اعتبار أحدهما موضوعة، فكثيراً ما يستطيع اللاحق نكته للسابق فيتناقلها استمتاعاً بها ورغبة في سماع جواب جديد عليها. وجواب أبي دلامة للمنصور هنا - وان أشبه جوابه للسفاح - إلا ان الرد الجديد اكثر طرافة. فقد قال هناك. لقد اقطعتك أنا يا أمير المؤمنين خمسمائة ألف جريب غامرة من فيافي بني أسد، ولم يكتفي بفيافي بني أتسد فقد ابعد الثقة فقال له: أنا اقطعتك يا أمير المؤمنين أربعة ألف جريب غامرة فيما بين الحيرة والنجف، وان شئت زدتك.
ولأبي دلامة في مسألة المنصور والوصول إلى عطائه أسلوب ادعى إلى الغرابة من كل ما سبق، فقد تطوع له نفسه تلفيق الرؤيا، وهو يعلم انه متهم بالكذب فيطلب من الخليفة تصديقه كأنه يريد ان يشهده على خداعه.
دخل على المنصور يوماً فانشده:
رأيتك في المنام كسوت جلدي ... ثياباً جمةً وقضيت دَيني
فكان بنفسجيُ الخز فيها ... وساجٌ ناعم فأتم زيني