فقال:(يعني هذا شأن الدنيا وشأن أهليها من الغدر وعدم البقاء على الصحبة، كما في قصة عمرو بن الخليل مع خليله وتخلية أمير المؤمنين سيف الدولة قبيلة عقيل الذين قادهم ندى بن جعفر كما ذكر سالفاً). وهذا شرح يدل على جهل بالتاريخ، أما أبو فراس فيشير إلى عداوة عمرو بن الزبير لأخيه عبد الله وقيامه ضده، وإلى عقيل بن أبي طالب الذي فارق علي بن أبي طالب أخاه في خلافته، ومضى إلى معاوية.
وعن شرح هذا الفقيه أخذ نخلة بن قلفاط في حل بعض أبيات الديوان عندما طبع ببيروت وكثيراً ما يوجز ويختصر.
لم يعثر البهائي على ديوان أبي فراس كاملا، بل ينقصه الكثير من قصائده، ولم يقف في شرحه عند الإشارات التاريخية التي في الديوان يوضح المراد بها، ولم ينقل ما أورده ابن خالويه في توضيحها بل كان التفسير اللغوي وجهته، فيذكر النص، ويشرح ما فيه من ألفاظ لغوية، ذاكراً بعض ما لكلمه من مشتقات وجموع، ومبيناً ما في الكلام من أنواع البيان والبديع، ومتبعاً ذلك بذكر المعنى الإجمالي للنص، وكل ذلك في إيجاز، دفعه إليه إسراعه في هذا الشرح الذي أتمه في عشرين يوماً، وكثيراً ما كان يعفي نفسه من عناء الشرح، فيقول عن البيت من الشعر:(ظاهر غني عن الشرح) وربما كان خفياً غامضا.
ظل ديوان أبي فراس على ما وصفنا من النقص والتشويه حتى هيئ له أحد العلماء الناشرين، وهو الدكتور سامي الدهان، فأخرجه متبعا أمثل طرق الإخراج، ووقف عليه حقبة من عمره، حتى استطاع أن يخرج أصح وأكمل ما استطاع أن يظهره لديوان أبي فراس، وإن من يعاني ما عاناه الناشر ليقدر ما بذله من جهد مضن في التنقيب والتحقيق والاختيار، ولا يسعنا إلا أن نشكر له هذا الجهد الموفق.
وبرغم التحقيق الدقيق الذي بذله الناشر الكريم لم يدع أنه وصل إلى المثل الأعلى الذي يبغيه، وطلب من النقاد أن يوافوه بآرائهم في عمله المثمر إذ قال:(غير أني لم أظفر بمن يقرؤه من الدفة إلى الدفة يسجل نقده وأسجل يده. . وأملي أن يحظى بالناقد الحكيم والقارئ الكريم فيرد إلى معايبه، ويبصرني بزلله)؛ وعلى هذا الأساس أبدى بعض ملحوظات عنت لي بعد قراءة الديوان كله قراءة دارسة ناقدة، من غير أن تقلل هذه الملحوظات اليسيرة من قيمة هذا الجهد المشكور، والعمل الصالح.