وأول ما ألحظه على الديوان ترتيبه فقد اتبع نهجا صناعيا لا فنيا في هذا الترتيب، إذ قسمه على نظام حروف القوافي، وإني أؤثر على ذلك النظام نظامين آخرين، هما الترتيب التاريخي، والترتيب الموضوعي؛ ذلك أن الترتيب على حسب القوافي ليس له قيمة فنية ما، وليس له من فائدة سوى سهولة العثور على القصيدة في الديوان، ويغني عن ذلك فهرس يوضع في آخر الكتاب لتسهيل المراجعة، أما الترتيب التاريخي فيساعد على تتبع التدرج الفني للشاعر، ويعين على معرفة أثر الزمن في نفس الشاعر ونظراته إلى الحياة، وربما كان الترتيب الذي سار عليه ابن خالويه أقرب إلى الترتيب التاريخي كما ذكرنا، فإذا عز علينا الترتيب التاريخي، فالأفضل أن نرتب الديوان على حسب موضوعاته، فنجمع قصائد كل باب متجاورة، فذلك خليق بأن يبرز لنا خصائص الشاعر في كل فن من فنونه في سهولة ويسر، فإذا جمعنا بين الترتيب الموضوعي والتاريخي معا فذلك هو المثل الأعلى للجمع والترتيب؛ أما وقد سار الناشر على هذا الترتيب الصناعي فإني كنت أرجو أن يؤرخ القصائد إذا استطاع الوصول إلى تاريخها.
وكنت أؤثر أن لو أضاف الناشر إلى جهده الضخم شرح غريب الديوان في ذيل الصفحات حتى يكون بذلك قد خلى بين القارئ والشعر لا يحول بينهما تحريف في عبارة، ولا غرابة في لفظ، ولم يكن أبو فراس مغرماً بالغريب أو مستكثراً منه، فكان من السهل على الناشر شرح هذا القليل حتى يصبح كتابه مستغنياً بنفسه عما سواه، كما حمدنا له جهده في شرح الإشارات الجغرافية الواردة في الديوان.
وقد تحرى الناشر أقرب الروايات إلى الصحة من بين الروايات المختلفة في النسخ، ولكني أرى أن قد اختار، في أحيان قليلة، رواية أراها مرجوحة، كما آثر أن يروي هذا البيت:
وهل لقضاء الله في الخلق غالب ... وهل لقضاء الله في الخلق هارب
وإني أؤثر رواية الشطر الثاني بمن بدل اللام فيكون:
وهل من قضاء الله في الخلق هارب.
وآثر أن يروى هذا البيت، وهو في خطاب سيف الدولة:
دعوناك، والهجران دونك، دعوة ... أتاك بها يقظانَ، فكرُك، لا البرد
وأؤثر رواية العاملي: البحران بدل الهجران الذي لا معنى له هنا، ولعله يقصد بالبحرين