يرى أن المعارضة كانت ميسورة للعرب، ولكن بعد التدقيق في كلامه يظهر أنه لم يجعل هذا العجز سراً من أسرار الإعجاز بل جعله دليلا على أن المعارضة لم تكن، ولم يكن لهم أن يأتوا بسورة ولو مفتراة، وليس أدل على عجزهم عن المعارضة أنهم تركوها وهي - لو أمكنت - كانت افسد لأمر الدعوة، وأسرع في تفريق أتباعها، ومما يؤيد ما ذهبت إليه، أن لكل من الجاحظ، وأستاذه النظام - وينسب إليه مذهب الصرفة - رأيا في الإعجاز غير الصرفة، فالنظام يرى أن الإعجاز كان من حيث الإخبار عن الأمور الماضية، والآتية، والجاحظ يرى الإعجاز في النظم، على أن ترديد العلماء في ماهية المذهب يقوي جانبنا (أنظر الطراز ج٣ص٣٩٢). ومهما يكن من شئ فأنا أستبعد أن يكون الجاحظ قائلاً بالصرفة على ما فهمها العلماء، وأرجح أن يكون ذكاها على المعنى الذي أشرت إليه، وفوق كل ذي علم عليم.
٤ - في حديثه عن السجع ذكر عبارتين تؤديان إلى حكمين متناقضين وهما يتعلقان بأمر ذي بال، قال:(وليس من شك في أن معارضة المتنبئين للقرآن، واصطناعهم السجع في هذه المعارضة كان له أثر كبير في كراهية النبي والخلفاء له، وخشيتهم الفتنة به) ومعنى هذا الكلام أنه كان للمتنبئين معارضات، ثم قال:(وقد روت كتب السيرة نماذج من سجع مسيلمة وطليحة وسجاح وغيرهم قصد رواتها - في أغلب الظن إلى تسخيف أولئك المتنبئين) ومعنى هذا أن هذه المعارضات من وضع الرواة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن مسيلمة تنبأ في آخر حياة الرسول، فهل بلغت معارضاته حداً جعل الرسول يكره السجع؟ أما طليحة، فإنه وإن كان تنبأ في حياة الرسول، إلا أن أمره لم يعظم إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الرافعي أنه لم يدع لنفسه قرآناً لأن قومه من الفصحاء ولم يتابعوه إلا عصبية، وإنما كانت له كلمات يزعم أنها أنزلت عليه، ولم نظفر منها بشيء، ففي أي كتب السيرة وجد المؤلف معارضة لطليحة؟ أما أنا فقد عثرت على كلمة له نشرت في مقال سبق من الرسالة ولكني لم أظفر بها في كتب السيرة، وأما سجاح فتنبأت بعد وفاة الرسول، ولم تدع قرآناً وإنما كانت تزعم أنه يوحي إليها، أفليس من حق العلم على المؤلف أن يحرر عباراته، ويحققها، ولا يلقي القول هكذا. .؟!
٥ - وقد سبق أن ذكرت أن في الكتاب مآخذ كثيرة جزئية، وأنا سأعرض منها، وسأفي،