للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مهاجري روسيا سواء من موسكو أو شبه جزيرة القريم أو بلاد القوقاز. رأيتهم وعاشرتهم وصادقتهم وأنست بهم في العاصمة القديمة للدولة العثمانية، كانوا من أجناس وأعمار مختلفة ولم يكونوا من طبقة أو فئة واحدة فنقول النبلاء مثلاً أو الرأسماليين أو التجار أو الصناع أي الذين أضرت بهم الثورة بل كان بينهم العمال والمزارعون والخدام، لم يكونوا من جنس واحد أو وطن واحد أو دين واحد بل كانوا يهوداً ونصارى ومسلمين كانوا شيعة وسنية: فهم مع اختلاف أديانهم وطبقاتهم وأجناسهم ومراتبهم يمثلون دنيا بأكملها لا وطناً واحداً بل يمثلون قارة من القارات.

وكانوا مع اختلافهم هذا وتباين مذاهبهم السياسية والفكرية تجمعهم عقيدة واحدة وأمل ثابت وفكرة راسخة: هي أنهم مهما طال بهم الزمن وأن تقطعت بهم الأسباب سيعودون يوماً ما إلى تلك الأرض الشرود التي ولدوا عليها ونشئوا بها، والتي ذهبت من بين أيديهم فصارت حلماً في أذهانهم يمثله الحنين الدائم والذكريات الخاثمة على صدورهم وخفقات القلوب لدى أي خبر يأتي من عزيز في بلاد لا طريق للوصول إليها.

وكانت الحكومة التركية قد أمضت مع الحكومة السوفيتية الروسية اتفاقاً للجنسية جعلت فيه نصاً بخول كلُّ مسلم من مسلمي روسيا يلجأ إلى الأراضي التركية الحق في اختيار الجنسية التركية وحرمت على اللاجئين من غير المسلمين هذا الاختيار فكان من نتيجة ذلك أن حصل المسلمون من المهاجرين على تبعية البلاد التي استوطنوها وتمتعوا بحقوق المواطن التركي بينما بقي آلاف غيرهم يحملون جوازات السفر التي أطلقوا عليها أسم (نانسن) والتي تجعلهم عرضة للنفي والتشريد في أي وقت - وبمرور الزمن تبين لفريق كبير من المهاجرين هذا النص فقالوا لأنفسهم إن كلُّ مهاجر من أصل روسي أو من الأجناس التي خضعت لروسيا ينشرح صدره للإسلام ويشهر اعتناقه له، يكتسب تواً الجنسية التركية ويصبح عالقاً بتلك الأرض الطيبة التي تفيض عسلاً ولبناً حيث المناظر الخلابة والمياه العذبة والطيور المغردة وحيث الحياة اللينة السهلة التي تعطي ما تشتهي، وأهم من كلُّ ذلك العيش في عالم قريب من الأرض التي نحن إليها - فلم لا تقدم على ذلك؟

وكان أن دخل عدد من المهاجرين في دين الله أفواجاً منهم اليهودي والارثوذكسي والحر

<<  <  ج:
ص:  >  >>