العقيدة، وفيهم التاجر والمالي والفنان، منهم من آمن بحق ومنهم آمن ظاهرياً وبقي على دينه الأصلي ولكنهم جميعاً تسموا بأسماء تركية وأخرى إسلامية وسجلوا ذلك على أنفسهم فأصبحت معاملاتهم وتصرفاتهم خاضعة لصفتهم الجديدة وشخصيتهم التي أخذوها وبهذا ضمنوا كإخوانهم المسلمين البقاء في تركيا والحصول على تبعية خاصة وتنازلوا عن أوراق (نانسن) وقواعدها ومضايقاتها وفي ذلك كله راحة كبرى واستقرار لهم.
ومن العائلات التي قذفت بها ثورة ١٩١٧ إلى الهجرة عائلة من أشراف مدينة تفليس تعرفت إليها بمدينة استنبول وارتبطت منها بروابط الصداقة والمودة الدائمة وكان تركها لموطنها الأصلي شاملاً أي كان بالخدم والاتباع صغاراً وكباراً وكانت إقامتها في مدينة استنبول ثم نقلت إلى ضاحية على الشاطئ الأسيوي. وكان منزل هذه الجماعة قطعة صغيرة من أراضي جورجيا الشهيدة يجمع كلُّ ما في الروح القوقازية من مرح وسرور وحيوية مع أدب جم وحساسية متناهية وعطف على الفقير وتواضع مع الناس بغير تبذل وكانت مظاهر الكرم والرغبة في إدخال السرور وإراحة على الضيوف من الأمور الثابتة الراسخة التي يقوم بها الصغير قبل الكبير أو الخادم عند غياب السيد، وتفليس ملتقى الشرق مع الغرب بل هي قطعة من هذا الشرق الأوسط ارتباطنا بها خلال القرون الماضية، لا يفصلنا عنا فاصل.
ومن منا لم يسمع بمدينة مراغه وعلمائها أو برذعة وما كان عليه في الماضي وهذه الأنهار المنحدرة من جبال قفقاسيا أو من جبال آسيا الصغرى يعرفها مؤرخو العرب ويتحدث عنها مؤلفوهم ويشاء القدر أن تلتقي الأنهر وتصب في بحر قزوين. فالصلات بيننا وبين تفليس كانت قائمة مستمرة ولم يقطعها إلا مجيء الروس في غفلة من الزمن وقطعهم لهذه البلاد وحرماننا منهم وحرمانهم منا. فالوصل حالة طبيعية والقطع الروسي حالة غير طبيعية: تتساءل إلى متى تدوم؟ ولذلك تشعر أنك لست غريباً عن هؤلاء القوم من أهل تفليس حيث تطل جبال قفقاسيا من الشمال وحيث تظهر في أحيائها المنابر وبقايا المساجد التي كانت يوماً ما عامرة.
لقد أنسنا بالأيام والليالي التي قضيناها مع القوم بل سعدنا بها وكان بالمنزل الذي يقع على شاطئ بحر مرمرة وكيل يدعى قاقتراتز نشأ أرثوذكسياً على مذهب كنيسة جورجيا وانتهى