للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تهدف إلى غاية غير استبعاد الكارثة وإطالة أمد المقاومة والتعلق بآمال الغيب، لعل المعجزة تتم فتنجو بحياتها، ولكن هذا القلق لا يلبث أن يتلاشى رويداً رويداً من نفسها بحكم ما تثيره قصصها من لذة في النفس الملك شهريار. أما دي كامرون، فتقوم حوادثه على ثلاثة من الفتيان وسبع من الفتيات ولواّ هاربين إلى سفوح تلال الفيزول من الموت الذي أباد مدناً بأسرها. . . يرون تلك القصص تناسياً للآلام وتوارياً خلقها من خيال الموت!

تعتبر مقدمة اليوم الأول من قطع الوصف الخالدة في الآداب الإنسانية عامة صور فيها مدينة فلورنسا في قبضة الوباء المهلك عام ١٣٤٨ وقد أقفرت شوارعها من الحركة وتكدست الجثث هنا وهناك وقد فاحت منها الروائح المنكرة، تصويراً لا يلحقه فيه لا حق. . . صور ذلك الصمت الشامل الذي يغشى المدينة فلا يسمع فيها غير قهقهات خافتة من بقايا أجساد حطمت الكارثة كلُّ ما فيها من حس إنساني وشعور نبيل، وغير مجموعات أخرى تتحرك وفد خولطت عقولها وعبث بها الرعب فغدت كأشباح الموتى.

وفي صبيحة يوم من أيام الثلاثاء تلاقت في الصلاة سبع فتيات في كنيسة القديسة ماريا فلورنسا، فاقترحت عليهن كبراهن بامبينا أن يرافقنها إلى الريف هرباً من الموت، حيث يعشن في أحضان الطبيعة، في قصر ريفي لإحداهن عيشة الفضيلة والانقطاع عن الناس فلا تصل إليهن يد الموت وتشاء المصادفات أن يدخل الكنيسة في تلك اللحظة ثلاثة شبان يتصل أكبرهم ببامبينا بصلة القرابة، فاقترحت عليهم الانضمام إليهن فوافقوا مغتبطين.

وفي فجر اليوم التالي كانوا في طريقهم إلى ذلك الريف، فاستقر بهم النوى في قصر جميل وارته الأشجار وقامت على جوانبه الحدائق الوارفة. واقترحت بامبينا أيضاً أن يختاروا في كلُّ يوم رئيساً عليهم يكلون إليه أمرهم بحيث يكون كلُّ منهم مسؤولا بدوره. وتم انتخاب بامبينا في اليوم الأول فوضعوا على رأسها إكليلا من أغصان شجر الغار. وبعد غروب الشمس أخذوا طريقهم إلى حقل غطى العشب الأخضر أرضه. . . وهنالك جلسوا في دائرة وطلبت بامبينا ملكة ذلك اليوم أن يقص كلُّ واحد قصة في كلُّ يوم، وقد رأوا في اقتراحها طرافة فوافقوا عليه. . . وتلفتت بامبينا إلى بامفيلو الذي كان يجلس على يمينها وأمرته أن يبتدئ بقصة، وهكذا تأخذ هذه القصص طريقها إلى الوجود.

<<  <  ج:
ص:  >  >>