للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجواب بأن القرآن الكريم لم يخصص كلمة (العرب) للبدو، وإنما خصص لهم غيرها حين يقول: (الأعراب أشد كفراً ونفاقاً. . .) و (وقالت الأعراب آمنا. . .). وهذا النبي صلوات الله عليه يقول: (ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى. . .) وما أظنه يقصد بالعربي (هنا) من كان مقيماً في البادية دون سواه! وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول يوم السقيفة: (نحن المهاجرون، أول الناس إسلاماً وأكرمهم أحساباً. . . وأكثر الناس ولادة في العرب. . .) وهو يقصد بالعرب أهل (مكة). وهي حاضرة الجزيرة يومذاك.

وبما أن الأستاذ الحصري لم يحدد زمناً يربط به تطور مدلول هذه الكلمة، فالاعتراض عليه لا يتجاوز حد الافتراض. ولذلك فإننا نقف بهذا الذي أوردناه إلى جانب أول وصف لمدلول هذه الكلمة عنده، ثم نترك للقارئ الكريم الحكم عليها. . وننتقل إلى الصفة الثانية فنجده يقول فيها: (صار يشمل هذا المدلول من يسكن المدن والأمصار من غير أن يقطع ِصلاتة بالبادية. .) ولا أظنه يقف ابن خلدون عند هذا التعريف. وإنه لو فعل ذلك لأقام الدليل بنفسه على بطلان ما يقوله في دفاعه عنه. ولأثبت عندئذ أن ابن خلدون إنما قصد أهل الأمصار من العرب بقوله، وهو عكس ما يريده ويبتغيه. . إذن فلم يبقِ أمامنا غير التعريف الثالث، وهو الذي يقول فيه: أن مدلول كلمة العرب (صار يشمل. . سكنة الأمصار بقطع النظر عن صلاتهم بالبادية. .) وفي هذا الوصف ثالثة الأثافي! فهو إن كان قد تطور خلال أدوار التاريخ، فلابد من أن يكون قد عاصر ابن خلدون أو تقدم عنه أو جاء بعده. فإن كانت الأولى أو الثانية، فقد جعل قوله حجة عليه، ولن تبقِ هنالك حاجة لإقامة برهان. وإن كانت الثالثة، فقد أنطق ابن خلدون بالغيب، وجعله يتحدث بلسان الزمن قبل أن يجيء. وهيهات أن يكون ذلك كذلك؟!

وإليك أيُها القارئ ما يجيبنا به الأستاذ على كلُّ ما تقدم حين بقول: (ومما تجب ملاحظته أن هذا التطور لم يكن تاماً ولا قاطعاً. . لأن الطور الأول لا يزال مستمراً في استعمال العوام. . فقد تعود الناس في جميع البلاد العربية استعمال كلمة (العرب) بمعنى البدوي والفلاح. . .).

ولا أدري كيف (تطور تطوراً كبيراً خلال أدوار التاريخ) ثم نجد تطوره بعد ذلك (لم يكن تاماً ولا قاطعاً)!! بل يستمر الطور الأول منه في استعمال العوام إلى يوم الناس هذا!! وإنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>