إليها الخراب)، ولننعم النظر في الأدلة التي يذكرها لتعليل وتأييد رأيه هذا:(فغاية الأحوال العادية كلها عندهم الرحلة والتغلب. . . فالحجر مثلاً إنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي للقدر، فينقلونه من المباني ويخرجونها عليه. . . والخشب أيضاً إنما حاجتهم إليه ليعمروا به خيامهم. . .) ومن البديهي أن مدار البحث هنا لا يتعدى البدو الذين يعيشون تحت الخيام، فلا مجال للشك في أن ابن خلدون عندما كتب هذه العبارات لم يفكر قط بأهل دمشق أو القاهرة. . . بل إنما قصد أعراب البادية وحدهم. . .).
والذي أقوله، ويقوله ذلك الفصل بعينه، يغاير ما أورده الأستاذ الحصري، ويؤكد أن ابن خلدون أراد البدو وغير البدو، وأقول بتعبير آخر: إنه أراد للعرب على اختلاف مشاربهم. وتبين ذلك من قوله الذي يكمل به ذلك الفصل بعينه. فهو يقول بعد الكلام الذي استشهد به الحصري (مباشرة) ما يلي: (فهم متنافسون في الرئاسة، فيتعدد الحكام منهم والأمراء، وتختلف الأيدي على الرعية في الجباية والأحكام، فيفسد العمران وينتقض، وأنظر إلى ما ملكوه وتغلبوا عليه من الأوطان، كيف تقوض عمرانه وأقفر ساكنه، فاليمن قراهم خراب، وعراق العرب كذلك قد خرب عمرانه الذي كان للفرس أجمع، والشام لهذا العهد كذلك وأفريقية والمغرب). فهل نتبين من ذلك كله أنهم البدو فقط؟! وإذا كان الذين عمروا اليمن والشام والعراق وأفريقية والمغرب هم (البدو)، فمن هم (العرب) إذن؟! ثم يخطو الأستاذ الحصري بعد ذلك خطوة لا تخلو من تعسف، وهي أنه يصدر بحكم مبرم مؤداه أن ابن خلدون لم يقصد بقوله (العرب) في سائر فصول المقدمة غير (البدو)، ولم يتجاوز ذلك إلى غيره قط. فيورد هذا بأن يقول:(إن ابن خلدون لم يستعمل كلمة (العرب) بمعنى البدو في فصول الباب التي ذكرتها فحسب، بل استعملها على نفس المنوال في فصول الأبواب الأخرى أيضاً).
وهكذا يجعلنا الأستاذ في حل، لنلتمس ما يناقض دفاعه (في سائر الفصول)، بعد أن أكد - كما رأيت - أن ابن خلدون لم يقصد بقوله (العرب) في سائر الفصول سوى البدو وليس غير! ويستشهد بعد هذا ببعض كلام ابن خلدون مقدماً له بما يأتي: (يوجد في الباب الرابع أيضاً فصل خاص بالعرب، وهو الفصل الذي يقرر: (أن المباني التي كانت تختطها العرب يسرع إليها الخراب إلا في الأقل). ثم يأتي على ذكر ما قاله ابن خلدون عن العرب في هذا