للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى الصقر الفرنسي أنه بهذا الصنيع الذي أسداه إلى الحمامة الوديعة، خيل إليه أنه يستطيع أن يدنيها منه حين يشاء، وأن يخضعها لرغباته!

وتدور عجلة الزمن، ويصبح القنصل الأول إمبراطوراً تدين له فرنسا وما حولها بالطاعة والولاء. وعلى الرغم من المهام الكثيرة الملقاة على عاتقه، وما يشغل فكره من أمجاد وأطماع، فإن صورة مدام ريكامييه ما فتئت تداعب أحلامه وأمانيه. . . عرض عليها أن تكون وصيفة لزوجته الإمبراطورة فاعتذرت عن قبول هذا الشرف في لطف ولباقة! كانت خطة محكمة رسمها القائد العظيم لينهي بها المعركة التي طالت، وكان يهدف من ورائها إلى يدني منه مدام ريكامييه. . . وحين ألح عليها أن تقبل ما عرضه عليها، اعتذرت مرة أخرى في عزم وإباء. . . كلُّ شيء قد خضع لنابليون إلا مدام ريكامييه! ومن هنا أعلنها حرباً سافرة لا تبقي ولا تذر. . . وتحت ضرباته الرهيبة المتوالية، هوى الجمال النادر من قمة الثراء إلى حضيض الفاقة. . . وفقدت مدام ريكاميية كلُّ صديق، وانطلقت الأراجيف تنال من سمعتها كلُّ منال، ولقي كلُّ من ينتسب إليها أعنف ألوان الاضطهاد والتشريد. . . هذه صديقتها الكاتبة الفرنسية الشهيرة مدام دي ستايل يلقي بها بونابرت بعيداً عن أرض الوطن، ولا يلبث أن يلحق بها صديقها الآخر بنجامان كونستان! أما مسيو ريكامييه فقد أمر بونابرت بأن يقطع عنه بنك فرنسا كلُّ معونة مالية، وأسرع الناس يسحبون ودائعهم من مصرفه، وحين أوشك على الإفلاس، لم تجد مدام ريكامييه بداً من أن تتوسل إلى الجنرال مينو حاكم باريس ليشفع لها لدى الإمبراطور. . . ويرفض بونابرت، ويصيح بشماته صارخاً في وجه صديقه:

قل لمدام ريكامييه إنني لست عشيقاً لها حتى أنتشلها من مهاويها. . . وهكذا تردَّى مسيو ريكامييه إلى هوة الفقر والشقاء، وذاقت معه مدام ريكامييه طعم البؤس والحرمان كما لم يذقه إنسان

وحين فقدت أمها وهي آخر أحبابها وأعز أمانيها؛ قررت أن تهجر فرنسا أرض العذاب، لتلحق بصديقتها الوفية مدام دي ستايل. . . وهناك على شاطئ بحيرة ليمان في سويسرا، التقى قلب بقلب، وتصافحت روح بروح، وامتزجت دموع بدموع! وفي رحاب صديقتها وعلى مر الأيام استطاعت مدام ريكامييه أن تنسى بعض آلامها وأن تجد لقلبها بعض

<<  <  ج:
ص:  >  >>