العزاء. . . لقد التقى بها أحد الأمراء البروسيين، وكان له من جماله وشبابه ونبل محتده ما ألهب عواطفها الخامدة. وحين صارحها بحبه، تفتح له قلبها المغلق كما تتفتح الزهرة تحت أنداء الفجر. . . وراحت تكتب إلى زوجها مسيو ريكامييه، طالبة إليه أن يطلقها لتتزوج من الرجل الذي أحبها وأحبته. وعندما تلقت رد زوجها من باريس لم تملك إلا أن تبلل سطوره بالدمع! ومضت تقرأ وهي لا تكاد تتماسك من الأسى واللوعة:(عزيزتي جولييت. . . لم أكن أنتظر أن أفقد كلُّ شيء في دنياي حتى زوجتي الحبيبة. . . ذلك الأمل الأخير الذي كان يسطع في أفق حياتي فينير لي الطريق. . . ما أقساك يا جولييت؟. . . إنك لا ترحمين وحدتي وغربة روحي. أتريدين أن تتخلي عني لأنني أصبحت فقيراً؟. . . أنا الذي ضحيت بمالي في سبيل إسعادك!. . . إن كان ذلك يسعدك يا جولييت، فلا يسعني إلا أن أفسح لك الطريق. . . وإلا أن أدعو لك الله. . . دعاء تباركه الدموع). وحين فرغت من تلاوة رسالته الحزينة، تطلعت إلى الأمير أوجست وهي تقول له: يا صديقي، أرجو أن تغفر لي. . . لقد عدت إلى قلبي أسأله، فوجدت أن زوجي هو الرجل الوحيد الذي أحببته. . . لك دعواتي، ووداعاً! وشدت رحالها مرة أخرى إلى فرنسا إلى أرض العذاب، فما عادت تطيق البقاء في ذلك المكان الذي لف حبها في أكفانه.
وإلى جانب مسيو ريكامييه راحت في مأتم الأحلام تقتات على بقايا الذكريات. . . ولكن الذكريات تلح على القلب الحزين فيطول ليلها ويطول أرقها في رحاب الشجن. ويشير عليها الأطباء بتناول بعض المخدرات لتمنع عن نفسها الأرق فلا يفلح الدواء. . . ويخطر لها ذات يوم أن تضع حداً لهذه الحياة المريرة، فتتناول زجاجة فيها سائل مميت، وحين تهم بوضعها على شفتيها يسرع ريكامييه وهو لا يملك نفسه من الفزع. . . ويختطفها من يديها وهو يصيح صيحة ملتاعة: ابنتي. . . ابنتي!. وتطلعت إليه في ذهول كمن أفاق من حلم مروع، وأخذت تنظر إلى عينيه كأنما تريد أن تستل من أعماقها سر ما نطق به لسانه. . . وحين أوشك ريكامييه أن يفضي إليها بسره الرهيب، دخل أبوها برنار! وانتابها شعور خفي لم تدرك له كنها، شعور فيه حيرة تجلت في عينيها تساؤلاً ولهفة، ومضت تنقل بصرها بين الرجلين، وصاحت وهي ترتمي في أحضان برنار: أبي. . . أحبك يا أبي! أما ريكامييه فكان يغالب دموعه!! وعلى الرغم من كلُّ هذا العذاب، فقد أمر نابليون بنفيها إلى