سوف يتلاشى. إذا لم تكن هناك إرادة فلن يكون هناك مظهر لشيء، ولن يكون هناك عالم. إنه لا يبقى أمامنا بالتأكيد سوى العدم)
وقف تولستوي أمام هذه الأقوال الأربعة فوجدها جميعاً تجيب عن سؤال واحد عرض لكل منهم بصدد مشكلة الحياة، وتنتهي إلى نتيجة واحدة:
يقول سقراط:(إن حياة الجسد شر وأكذوبة. وإذن فتحطيم حياة الجسد نعمة، يجب أن نتمناها.)
ويقول شوبنهور:(الحياة هي ما لا ينبغي أن يكون - هي شر، والانتقال إلى العدم هو وحده ما في الحياة من خير.)
ويقول سليمان:(كل ما في الحياة - من حماقة وحكمة وثراء وفقر ومرح وحزن - باطل وعدم. يموت المرء ولا يبقى منه شيء وهذا سخف).
ويقول بوذا:(يستحيل على المرء أن يعيش وهو يدرك أن الألم والضعف والشيخوخة والموت أمور لا مفر منها - يجب أن تتحرر من الحياة الممكنة كلها).
ويعلق تولستوي على هذه الأقوال بما يؤيد دعوانا التي سبقت الإشارة إليها وأعني انتساب المذاهب الفلسفية إلى الحكمة الشعبية فيقول:
(وما ذكره أصحاب العقول الجبارة فكرت وأحسست به وعبرت عنه ملايين الملايين من أمثالهم من البشر. وقد فكرت فيه وأحسست به أنا كذلك).
كتاب الحياة:
لعل قارئي العزيز اقتنع بعد هذا العرض لنصوص الكتاب والحكماء أن حس هؤلاء الدقيق يكفل لهم في كثير من الأحيان النفاذ إلى كنه الحياة، وأن حكمهم السليم المبرأ عن الهوى وسيلة من وسائل المعرفة الفلسفية، وأن إنتاجهم لا يخلو من نظرات عامة في الكون لم تفسدها الصنعة ولم يعزوها الصدق في التصور ولعله قد تبين أن كتب الفلاسفة ليست وحدها المصدر الذي نستقي منه الفلسفة، فقد نسقيها من حكمة الشعب كما بينا في مقال سابق، وقد نستخلصها من الأدب الروائي أو الشعر والأساطير وقد نهتدي إليها في مسلك كثير من الناس، وبالجملة قد نتعلمها في مدرسة الحياة. وقد تنبه ديكارت إلى هذه الحقيقة فأنحى باللائمة على العلوم التي تدارسها في المدرسة، واتهم بالقصور والتفاهة المعارف