الشعبية سداً منيعاً؟ لقد كان لأفلاطون من تماسك مذهبه أسس مكينة تحميه من السقوط فبماذا يتشبث أصدقاؤنا هؤلاء وهم يحتمون بأبراج من خيوط العنكبوت؟!
خاتمة
بعد كل ما تقدم أخشى أن نسف في فهم الفلسفة ونظن كل نظرة عابرة فلسفة كبرى، وصاحبها فيلسوفاً كبيراً، فنخدع عن أنفسنا، ويركبنا الغرور. ولذلك أنبه القارئ إلى أن تلك النظرات ليست سوى محاولات للنظر الفلسفي يأتيها الحكيم الشعبي أو الروائي، ثم إنها محاولات تلونها الانفعالات والأمزجة الخاصة، ولا تكاد تنفصل عن السلوك العملي وشئون الأخلاق، وقلما تتعرض لمسائل ما بعد الطبيعة. فلسفة الشعب مزيج من القول والفعل والنقل. مصدرها تجاريب العيش وصروف الأيام، أفراح الحياة وأتراحها؛ ويقين الشعب بفلسفته أشبه باليقين الديني لا يحتاج إلى دليل أو برهان، وذلك ما يخلع عليها حرارة تعوز مذاهب الفلاسفة التي تتميز ببرود المنطق وجفاف الجدل. وأداة الفلسفة الشعبية ليست المنطق الصوري، ولكنها ملكة الحكم السليم التي يدعوها الفرنسيون ويسميها الإنجليز وأثرها في نفسية الشعب عميق غاية العمق: تثبت فؤاده، وتعزيه عما يصادف من محن، وتبرر كثيراً من تصرفاته. أما صورتها العامة فيعوزها التكامل لأنها نظرات مبعثرة وخواطر متفرقة يندر أن تأتلف كلا واحداً.
أما الفلسفة بالمعنى الخاص فبريئة من أمرين: النظرة السطحية، والنظرة الجزئية. فلسفة الخاصة (أي فلسفة الفلاسفة) تهدف إلى تفسير عام شامل للكون في مجموعه، ولذلك كنا نجد تفسيرات الفيلسوف لمختلف نواحي الكون تنتظم كلا واحداً متناسقاً هو (المذهب). نواة المذهب الفلسفي نظرية كبرى تتشعب منهما أو تدور في فلكها نظريات فرعية صغرى في المعرفة والوجود والأخلاق، بل والسياسة والجمال أحياناً. نواة مذهب أفلاطون مثلا (نظرية المثل)، وأرسطو (الهيولي أي المادة الأولى والصورة)، وأفلوطين (الفيض الإلهي)، وشوبنهور (إرادة الحياة) الخ. . .
وللمذاهب الفلسفية قيمة كبرى فهي الوسيلة التي ينمى بها العقل الإنساني أعمق نظراته وتفسيراته. إنها تعينه على تعمق كنه الحقيقة، وتعطي الأفكار المبعثرة حياة وحركة وقوة. مثل المذهب مثل البلورة تلم شتات الأشعة، وتركزها في نقطة ضوئية صغيرة، ولكنها