والله ما في من أجر فتطلبه ... ولا الثناء على ديني بمحمود
فقال موسى: ألقوه لعنه الله عن المحمل ودعوه ينصرف، فألقى وعاد إلى قصفه بالسواد، حتى نفذت العشرة آلاف درهم.
ولاريب أن أبا دلامة لم يكذب في وصف نفسه، فما فيه أجر فيطلبه أحد، وليس الثناء على دينه بمحمود، فعلام يكلف بالحج وسواه من الفروض؟
لذلك قال صاحب الأغاني في وصفه:(كان فاسد الدين، رديء المذهب، مرتكباً للمحارم، مضيعاً للفروض، مجاهراً بذلك. وكان يعلم هذا منه ويعرف به، فيتجافى عنه للطف محله).
وهو - لفساد دينه - لم يكن يكتفي بشرب الخمر والعربدة، وإنما كان يقضي أكثر أوقاته في أسواق النخاسين الذين يبيعون الرقيق، ليستمتع برؤية الجواري الحسان. وكان كثير الزيارة للجنيد النخاس، إذ كان يتعشق جارية له ويغضبه، فجاءه يوماً فقال: أخرج لي فلانة. فقال: إلى متى تخرج إليك ولست بمشتر؟! قال: فإن لم أكن مشترياً فإني أخ يمدح ويطري. قال: ما أنا بمخرجها إليك أو تقول فيها شعراً. قال: فاحلف بعتقها أن ترويها إيان وتأمرها بإنشاده من أتاك يعترضها ولا تحجبها. فحلف لا يحجبها. فقال أبو دلامة:
إني لأحسب أن سأمسي ميتاً ... أو سوف أصبح ثم لا أمسي
من حب جارية الجنيد وبغضه ... وكلاهما قاض على نفسي
فكلامهما يشفي به سقمي ... فإذا تكلم عاد لي نكسي
فما قولك بهذا الشيخ الذي لم يمنعه العجز والكبر من خروج الجواري الحسان إليه ليملأ عينيه من جمالهن الجذاب، وسحرهن الخلاب؟
وإنك لترى صورة من أخلاق أبى دلامة في مسلكه مع الناس ومعاملته لهم - ولا سيما العاديين منهم - فهو يقسم كاذباً، وهو يلفق الأحلام، وهو يبالي بأية وسيلة يصل إلى مبتغاه: مر أبو دلامة بتمار (بالكوفة) فقال له:
رأيتك أطعمتني في المنام ... قواصر من تمرك البارحة
فأم العيال وصييانها ... إلى الباب أعينهم طامحه!
فأعطاه جلتي تمر وقال له: إن رأيت هذه الرؤيا ثانية لم يصح تفسيرها. فأخذهما