- أراني لا اقدر أن اصف لك والدي وصفا دقيقا، لا ادري كيف تنظر إلى فتاة تشكو إليك من والدها لأول مرة رأيتها فيها، ولكنك بمرافقتك لي حتى هذا المكان اثبت لي طيبة قلبك وصفاء نيتك، وانك بحسن تلك النية وبصفاء ذلك القلب ستدرك سلامة الأسباب التي ساقتني إلى تلك الشكاية، أليس كذلك يا سيدي؟.
كان الهواء يعصف بشدة، فلم نقدر أن نضبط مظلتينا ونقاوم الهواء الشديد فأغلقناهما وأخذنا نمشي غير مبالين بالمطر القليل الذي ينزل، بل خففنا السير لندرك وقتا كافيا للتكلم معا، وقد اقترب كلانا من الاخر، وكنا نسير متلاصقين بقلبينا وجسمينا كأننا قد تعارفنا منذ سنين لا منذ دقائق.
كانت هي في حاجة إلى أن تشكو إلى همومها، اجل! كانت في حاجة شديدة جدا إلى أن تنشر كل ما خفي من نواحي حياتها، وتبسطه أمام ذلك الرجل الذي ربما كان اجتماعها به مصادفة واتفاقا أول اجتماع وآخره، فقالت.
- اعلم يا سيدي أنى الليلة ككل ليلة ساجد والدي سكران طافحا، وحينما يراني يستقبلني بكلمات الشتم والتحقير، وفي بعض الأحيان. . . ولم تتم جملتها كأنها رأت أنها قد اعترفت لي بأكثر مما يجب، لذلك قطعت كلامها بسرعة وأتمت جملتها التي شرعت فيها بصورة أخرى، فقالت:
- لا أذكر أن والدي عمل يوما ما عملا مثمرا يعود عليه وعلينا بربح؛ كان في شبابه صاحب مقهى صغير في (بك اوغلى)، وكان يأتي بمغنيات في الشتاء إلى قهوته، وكانت والدتي إحدى أولئك المغنيات، اشتغلت عنده ثم تزوجها، وقد علمت هذه التفصيلات واحدة بعد أخرى مصادفة واتفاقا، ولا ادري كيف تم الاتفاق بين أبى وامي على الزواج الذي كنت ثمرته، ولكن ظهوري في الحياة كان سببا لأمراض كثيرة أصابت والدتي ومصائب أخرى اضطرتها إلى ترك العمل وأرغمت والدي على ترك المقهى. كانت والدتي موسيقية بارعة، فبعد أن تركت المسرح صارت معلمة تعطي النساء دروسا في الموسيقى؛ وأنا