- لا تجزعي يا انسة، اصبري وتجلدي، فالصبر أقوى من يعتمد عليه المرء في طريق الحياة. فهزت رأسها الصغير وقالت:
- الصبر يا سيدي؟ إن الإنسان أوجد لنفسه كلمات خداعه يخدع نفسه بها ليتحمل مصائب الحياة. وازداد اضطرابها فقالت:
هل تعلم يا سيدي ماذا ينتظرني في البيت بعد كل هذه الأتعاب وهذه المشقات من الصباح حتى هذا الوقت المتأخر من الليل؟ إن والدي في مثل هذه الساعة يعود من الحانة يرسم في مشيته لام الف، فإذا دخل المنزل جلس في غرفته يتم ما فاته في الحانة انتظارا لي، وهو قد جعل لنفسه في البيت حانة صغيرة، فغرفته مملوءة بالزجاجات الفارغة والأقداح المكسورة والصحون القذرة، لو رأيت كل ذلك لدهشت، كثيرا ما سعيت لتكون غرفته نظيفة ولكني لم افلح، فعدلت عن ذلك الآن وصرفت همتي إلى ترتيب غرفتي الخاصة وتنظيفها، لله تلك الغرفة الصغيرة! انه صغيرة إلا أنني أجد فيها راحة كبيرة، انزوي فيها بعد عودتي من العمل ليلا وبعد أن اخذ قسطي من كلمات التحقير والشتم التي يستقبلني بها أبى إرضاء لنفسه وكسرا لحدته، هناك في غرفتي فقط افهم معنى الراحة وأفسح المجال لدموع عيني أن تسيل فأجد السعادة في ذلك البكاء، اغسل به قسما مما تراكم على قلبي من الهم والبؤس.
تقول المسكينة (فأجد السعادة)، حتى هذه الفتاة البائسة ترى أن في البكاء سعادة، وفي هذه اللحظة لو لم اخش أن ترتاب بي لأمسكت يدها وشددت عليها بكل قوتي مظهرا ما في قلبي من الرحمة لها والإشفاق عليها.
فقالت بعد صمت قصير:
- أنا على يقين أنني هذه الليلة لن اقدر على تهدئته، آه ليت شعري ما الذي سيكون لي منه؟
فقلت لها:
- ولكنك أيتها الآنسة تشتغلين لأجل والدك، أفلا يدرك تلك الحقيقة فيشكرك عليها؟
وقفت عن السير في الحال ورفعت وجهها إلى ونظرت في وجهي ولم تقل شيئا، إلا أنني أدركت في الحال مغزى نظرتها هذه وما تقصده منها، كانت تريد أن تقول بها لمخاطبها