غيره ولا إله سواه ولا شريك له في ملكه ولا وزير له في سلطانه ولا معين على إنشاء ما أنشأ وخلق ما خلق. لم يخلق الخلق على مثال سبق، وليس خلق شيء بأهون عليه من خلق شيء آخر ولا بأصعب عليه منه. لا يجوز عليه اجترار المنافع ولا تلحقه المضار ولا يناله السرور واللذات ولا يصل إليه الأذى والآلام. ليس بذي غاية يتناهى ولا يجوز عليه الفناء ولا يلحقه العجز والنقص. تقدس عن ملامسة النساء، وعن اتخاذ الصاحبة والأبناء.
فها نحن بصدد تعريف جله نفي كل صفة عن الله؛ ونتيجة لهذا التعريف لا يمكننا أن نكوِّن عن الله فكرة حقيقية وواقعية أي موضوعية، ولا يمكننا أن ندرك فكرة اللا ألوهية حتى ولا بالمشابهة مع المخلوقات، لأن فكرة اللا ألوهية متعالية عن كل مخلوق مجردة عن كل صفة يتصف بها المخلوق - وهذا ما جعل المعتزلة تقول بأن الخلق لا يستمد ماهيته من الله، لأنه لو كان الأمر كذلك لوجد تشابه في الماهية بين الله والخلق؛ ولكن ماهية الخلق لا تشارك البتة ماهية الله التي نجهلها تمام الجهل - وتنتهي المعتزلة إلى القول بأن الله لا يمنح سوى الوجود للخلق، وكل ما عدا الوجود فلا يوجد أي تشابه بينه وبين الله.
أن هذه النقطة في غاية الأهمية لما يترتب عليها من أقوال ونظريات تتعلق بمسألة خلق العالم وماهيته.
تحليل هذا التعريف:
إذا نظرنا إلى هذا التعريف نظرة تحليلية وجدنا أنه رد على اعتقادات مختلفة إسلامية كانت أو مسيحية أو مجوسية؛ كما أنه رد أيضاً على نظريات لسفيه كانت منتشرة في عصر المعتزلة أي في القرنين الثاني والثالث للهجرة.
كانت الرافضة تقول وهي معتقدة أن ربها جسم ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل؛ وأنه كان غير عالم ثم علم، وأنه يريد الشيء ثم يبدو له فيريد غيره.
ومن وجهة أخرى تقول المشبهة بأن الباري تعالى يشبه الخلق في شعوره وإحساسه وتفكيره وإرادته حتى أن بعضهم قال بأن له أعضاء كأعضائنا تماماً محتجين ببعض آيات مثل (يد الله فوق أيديهم). (وقالتِ اليهود يدُ الله مغلولة). (وَيبقى وجهُ ربك ذو الجلال والإكرام)(الرحمن على العرش استوى) والمشبهة تأخذ بهذه الآيات حرفياً بدون أي تأويل.