للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لذلك نفت المعتزلة الجسمية عن الله كما نفت كل ما يتعلق بالجسم من حركة وسكون وصورة ولون الخ. . . كما هو واضح في الجزء الأول من التعريف. وكذلك نفت عنه تعالى كل ما يتعلق بالنفس الإنسانية من شعور ومعرفة (بمعنى المرور من درجة إلى درجة أسمى في المعرفة) وإرادة (بمعنى الاختيار)، وقالت إنه تعالى (لا يقال بالناس ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه) ولا نعلم شيئاً عن ماهيته سوى أنه الواحد، فتكون المعتزلة لا أدرية.

وبينما يقول النصارى بثلاثة أقاليم في الله نجد المعتزلة يرفضون كل فكرة عن الأسرار ويعلنون بأن الله (لا والد ولا مولود ولا شريك له في ملكه).

ونجد أخيراً في هذا التعريف رداً على المثل الأفلاطونية التي كما يقول أفلاطون قد أنشأ الله الخلق على صورتها. ولكن المعتزلة ترى في هذه مثل الأزلية شرك لله وتقول أن لا معين على إنشاء ما أنشأ وخلق ما خلق. ولم يخلق الخلق على مثال سبق).

ما يترتب على هذا التعريف:

تقول المعتزلة بأن الله واحد ومتميز تمام التميز عن الخلق، هو الأصل الوحيد الذي بمقتضاه يفرقون بين ما هو حق وما هو باطل في التوحيد؛ ويعتبرون أنفسهم بأنهم هم فقط (أهل التوحيد). وعلى هذه الفكرة بنى المعتزلة مسألة الخلق وهي مسألة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمبدأ نفي كل مشابهة بين ماهية الله وماهية العالم المخلوق. وبما أن هاتين الماهيتين مختلفتان ومتباينتان تماماً في عرف المعتزلة قالوا إن الماهية المحدثة المخلوقة ليست حاصلة من الماهية القديمة؛ لذلك قالوا بالعدم واعتبروه شيئاً وذاتاً وعيناً وحقيقة يمنحه الله الوجود ليصير كائناً

مصدر هذه الفكرة:

إنا نجد في القرآن الكريم هذه الآية (ليس كمثله شيء) وكذلك (لا تدركه الأبصار) ولكن كم أيضاً من الآيات التي تتحدث عن أعضاء الله وعن الشبه بينه تعالى وبين الإنسان؟

هل تكفي آية أو آيتان حتى تبنى عليهما المعتزلة هذا التعريف المنفي لله ويصبح تعالى كائناً متميزاً تمام التمييز عن خلقه؟ لاشك في أن المعتزلة استرشدت أيضاً بمصادر أخرى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>