بين صيف وشتاء؛ ونفس راضية تقنع بميسور العيش وتخضع لمكتوب القضاء. . .).
لقد استطاعت صاحبتنا بجهد ذاتي أن تنتصر على أقسى ظروف الحياة وتنعم بالرضا والهدوء، ذلك أنها (مرنت على عنف الطبيعة، وقنعت بميسور العيش، وخضعت لمكتوب القضاء.) هي إذن ببصيرة نافذة وبملكة الحكم السليم ترى السعادة أمراً شخصياً وليس رهناً بالظروف الخارجية، هي شأن من شئون الذات بمقدور كل إنسان أن يحققها على رغم قسوة الظروف الخارجية.
تلك فلسفة نستشفها من ثنايا العبارات الصادقة على سذاجتها يفوه بها نفر من البسطاء وهي لا تفترق في جوهرها عن فلسفة الرواقيين التي سادت الفكر اليوناني في القرن الرابع قبل الميلاد وسيطرت على العقلية الرومانية بعد ذلك، وكان لها أثر فعال في الفلسفة المسيحية، وتقترب هذه الفلسفة من الفلسفة البوذية. عرض لجميع هؤلاء سؤال واحد:(كيف السبيل إلى السعادة رغم قساوة الظروف الخارجية، وهل يمكن بلوغها مع ذلك؟) واتفق الجميع على إمكان الوصول إلى السعادة رغم قساوة الظروف ورسموا طريقاً واحدة، وجاء تعريفهم للسعادة واحداً في معناه رغم اختلاف الألفاظ. فقال أم عامر: هي (مرانة على عنف الطبيعة ونفس راضية تقنع بميسور العيش وتخضع لمكتوب القضاء.) وقال الرواقي: هي أن تمتلك نفسك امتلاكاً حراً، وتتحرر النفس من قيود الظروف الخارجية، وتخضع إرادتك الجزئية لإرادة الكون الكلية، تلك الإرادة الكلية الخيرة المنبثة في أرجاء الكون جميعاً.) وقال البوذي: (هي أن تعرف كل شيء، وتفهم كل شيء. تنطلق من عبء الحدث وعبء الوجود، لا تشعر بأية حاجة، تسافر منفرداً لا يعنيك اللوم ولا المديح، تقود الغير ولا يقودك أحد.
دعوة مخلصة:
قد يعجب البعض كيف أقارن بين الحكمة الشعبية وبين المذاهب الفلسفية الكبرى، وقد يرى بعض المهتمين بالدراسات الفلسفية من القحة والتهجم على قدسية الفلسفة أن أحاول التقريب في مجال الأخلاق بين الحكمة الشعبية وبين المذاهب الفلسفية الكبرى. فلهؤلاء أؤكد أن بذور التفكير الفلسفي مغروسة في جميع العقول تقضي عليها لدى البعض ظروف معينة، وتنميها لدى آخرين ظروف مواتية. ليست الفلسفة ركاماً من المعارف المختزنة،