قلت هذا بعد أن تعرضت لآراء الباحثين ممن وقفوا عند الآفة الجسمية في حياة أبي العلاء مفسرين على ضوئها معالم الاضطراب في نظراته وآرائه. . . فليرجع القراء إلى ما قلت، لأن تلك السطور التي نقلتها هنا لا تغنيهم عن البحث كاملا مرتبط الفصول، متماسك الأجزاء، مسلسل النقلات، بين النتائج والمقدمات. . . قلته بالأمس، وأعود اليوم فأذكّر به، لأن الأستاذ روحي فيصل يتفق معي في خطباء المهرجان لم يأتوا بجديد حين يقول في مقدمة كتابه:(فأما إن أبا العلاء المعري نفسه قد استبان لنا على غير ما كنا نعرف من صورته، فذلك لا يقوله أديب له شيء من مشاركة في فهم الأدب على العموم، وفي فهم الأدب العربي على الخصوص. فما شع من هذا المهرجان الذي انقضى ضوء نظرية جديدة من شأنها أن تنير ناحية من أبي العلاء كانت مجهولة أو مظلمة، ولا انبثق عرض شامل بنظم هذا الرجل الكبير في شتى مجاليه)!
وأقف هنا وقفة قصيرة لأهمس في أذن الأستاذ فيصل قائلاً له: لقد كنت أرجو ألا يكون ناقداً فحسب، وإنما كنت أرجو أن يكون ناقداً وباحثاً في وقت معاً. . . أعني أنني كنت أود، وقد أشار إلى هذا الاجترار الممل فيما قيل عن أبي العلاء، أن يحاول هو من جانبه أن يضع شخصية الرجل تحت المبضع عسى أن يخرج من دراسته بنظرات جديدة. ولكن الأستاذ فيصل قد ترك أبا العلاء إلى هؤلاء الذين تحدثوا عنه من الكتاب والشعراء، مقتصراً على الإشارة العابرة إلى كلمات الفريق الأول، والنقد المفصل لقصائد الفريق الأخير!
وأنتقل بعد هذه اللفتة إلى الفصول النقدية الخمسة التي أفردها الأستاذ فيصل لشعرِ أبي ريشة والجبل وجبري والبزم والجواهري.
في تلك الفصول لمسات تنبئ في الكثير الغالب عن سلامة التقويم، ونزاهة التقدير، وعرض موقف للشخصية الأدبية على مدار الحقل الشعري واتساع مداه. . . هناك حيث تبحث عن معدن الملكة الناقدة فيشع في اللمحة الفنية التي تغنى - كما قلت لك - عن لمحات، وفي اللمعة الفكرية التي تهدى إلى لمعات. . . انظر مثلا إلى هذين البيتين من قصيدة بدوي الجبل حول مشكلة الآفة الجسمية في حياة أبي العلاء، وأحكم - بعد ذلك -