ولقد كنت أود أن أطيل القول في مشكلة الأداء النفسي في الشعر، لولا أن هناك بحثاً يدور حول هذا الموضوع في انتظار العرض على صفحات (الرسالة) في الأيام المقبلة.
ويبدو لك من كتاب الأستاذ روحي فيصل أنه يفضل قصيدة عمر أبي ريشة على غيرها من الشعر الذي ألقى في المهرجان. . . وهنا أختلف معه مرة أخرى ما دام هو يضع الشعر أحياناً تحت مجهر الحركة اللفظية، وما دمت أنا أضعه أبداً تحت مجهر الحركة النفسية.
يقول أبو ريشة مثلاً:
أتريد الوجود منتهك الستر ... يرينا أسراره عريانا
ويفض الفدام عن قلبه السمح ... ويجريه للعطاش دنانا
لو بلغنا ما نشتهي لرأينا الله ... في نشوة الشعور عيانا
هنا معرض ألفاظ يعج بصور فكرية عادية التلوين مألوفة الأضواء، كل ما يهزك منها هو هذا الإطار التعبيري الذي يحيط بالصورة، ويضفي عليها شيئاً من الجمال، الجمال الذي يطالع الأنظار والأسماع ولا يطالع المشاعر والنفوس! ولكن الذوق المرهف يعود إلى محرابه الأصيل عند روحي فيصل عندما يهتز طرباً، وأهتز معه لهذا التصوير النفسي الموفق في هذين البيتين لمهدي الجواهري حول قسوة القدر على حياة أبي العلاء:
على الحصير وكوز الماء يرفده ... وذهنه، ورفوف تحمل الكتبا
أهوى على كوة في وجهه قدر ... فسد بالظلمة الثقبين فاحتجبا
ولمحة أخرى للأستاذ فيصل تبلغ الغاية في الإشراق، لمحة أصافح عليها يقظة النقد عند هذا الناقد الذواق. . . بيت من الشعر في قصيدة عمر أبي ريشة مأخوذ من بيت آخر في شعر شوقي، ويشهد الله أنني وقفت عند هذا البيت ورددته إلى منبعه الأصيل وتحدثت عنه منذ عام إلى بعض إخواننا من الأدباء، وكان ذلك يوم أن تلقيت من لبنان ذلك الديوان الجديد الذي أخرجته دار مجلة (الأديب) للشاعر أبي ريشة، والذي حوى إلى جانب ما حوى من شعره قصيدته التي ألقاها في مهرجان أبي العلاء. . . يقول شوقي في (مجنون ليلى):