قرأت ذلك وقارنته بما يحدث عندنا فشعرت بالأسف. هناك الجمهور راض عن برنامج الإذاعة في جملته لأنه مرض فعلا، فإذا حاد منه شيء عن الجادة دفعه الحماس والغيرة إلى اللوم والنقد وهو يثق أن هناك من يصغي إليه. وهنا اعتاد الناس أن يسمعوا الإذاعة تخبط كما تشاء، لا منهج لها ولا غاية، وإنما هو الاعتساف والفوضى وسوء الاختيار، وما ينشأ عن كل ذلك من تقديم بضاعة ليس لأكثرها من فائدة إلا تزجية الوقت وسد الفراغ، فإذا كتب ناقداً أو صاح غيور وذهبت الكتابة والصيحة مع الريح، ولا نجد لها صدى إلا ما تنشره مجلة الإذاعة من أشباه البلاغات الرسمية التي تقول فيها إن ما تنشره الصحف والمجلان جميعاً عن الإذاعة غير صحيح. . .
وعلى ذكر مجلة الإذاعة أذكر أن محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية تصدر مجلة أول ما تقرأ فيها نقد برامج المحطة، وقد وزعت أبواب البرامج من أدبيات وتمثيليات وموسيقى على كتاب يتتبع كل منهم ما يذاع في بابه ويتناوله النقد. أما مجلة إذاعتنا فهي تشبه بعض صحف الأحزاب السياسية المتطرفة في الحزبية، لا هم لها إلا الدفاع عما هي لسان حاله ورمى المعارضين بكل الصفات الذميمة.
وقد أفضى كل ذلك إلى أن انصرفت قلوب الناس عن الإذاعة، وأيأسهم من صلاحها ضياع صيحاتهم مع الهباء، ولم يسمعهم إلا أن يسكتوا مسلمين أمرهم إلى الله، وقد وطنوا أنفسهم على احتمال الأذى وسماع جانبه صباح مساء. . . وأخذوا أنفسهم بالصبر على استبداد الإذاعة بهم وإسماعهم ما يكرهون وفرض برامجها عليهم ضريبة ثانية إلى جانب الضريبة المالية السنوية.
والعادة المتأصلة في المصريين أن ينفسوا عن أنفسهم وينتقموا من المستبد بهم بالفكاهة والتندر عليه، وما أكثر وأظرف ما نسمع من ذلك عن الإذاعة. ولباحث اجتماعي أو تاريخي أن يرجع هذه الظاهرة إلى أن الفترة التي تمر بها الإذاعة الآن تشبه عصور الاستبداد الماضية، فقد تسمى هذه الفترة بعد ذلك (العصر الإذاعي) نسأل الله الخلاص والسلامة. .
الموضوع في قنوتنا:
أقصد بهذه الفنون السينما والغناء والموسيقى، وأعني بالموضوع فيها فكرة التأليف، وهي