خيالية أخاذة للجامعة المنتجة التي يراها جديرة بالحياة. . .
وفكرة الأستاذ جميلة من حيث هي مجرد فكرة ولكنها مستحيلة من حيث هي منهاج لتنفيذه في الواقع، فأنا لا يمكنني أن أتصور الدول العربية تنزل عن سلطتها الدفاعية لبرلمان الجامعة، كما أنه من العبث أن أتخيل الدول العربية تستطيع أن تدفع من ميزانيتها ذلك المبلغ الضخم الذي يقترحه الأستاذ والذي لا يقل مائتي مليون جنيه يجبيها هذا البرلمان من جميع الأمم العربية من غير اعتراض ولا تمنع أو نقاش، وأخيراً أرى خيالي قاصراً عن إدراك ذلك المطمح البعيد الذي يدرك الدول العربية وقد أسلمت سياستها الخارجية لذلك البرلمان يتولاها وينفذ رأيه بماله من السلطة المسلحة ويفرض أحكامه بقوة السلاح. . .
لو فكر الأستاذ الفاضل بعقلية الواقع لأدرك استحالة فكرته لأن ذلك البرلمان الذي يقترحه لا يمكن أن يحقق كل ما نصبو إليه من آمال وأهداف، فغاية الدول العربية ليست واحدة في جميع النواحي ومصالحها غير متفقة تماماً وظروفها الخارجية ليست موحدة تمام التوحيد، وعلى ذلك لا يمكن أن تسلم الدول العربية سياستها الخارجية لبرلمان من هذا النوع مكون من أفراد لا يدركون جميعهم مصلحة الدول الممثلة فيه كما أنهم قد يرون رأياً يخالف ما أجمع عليه شعب من الشعوب ويكون في تنفيذه. نكال بهذا الشعب، والعذر لهم في ذلك لأن الغريب عن بلد لا يمكنه أن ينظر إلى مصلحته بعين المواطن الذي يدرك مصلحته تمام الإدراك ويبذل من نفسه مخلصاً في سبيل تلك المصلحة، وعلى فرض أن الغايات توحدت - واعتبرت مصالح الجميع هدفاً واحداً للجميع - فإنه لا يمكن أن تتفق الأساليب في إدراك ذلك الهدف والعمل به. وهذه الحقيقة الواقعة تواجهنا في مجال الدولة الواحدة ممثلة في أحزابها، فكل حزب له أسلوب خاص يتبعه، ومن هنا نشأت الخلافات والمشاحنات وانقلبت الأحزاب إلى جبهات مختلفة متعادية تقف كل واحدة أمام الأخرى لتحاربها مخلفة وراءها الأهداف التي قامت من أجلها. . .
ولا شك أن ذلك سيحدث في مجال البرلمان الجامع المقترح إذ يقف ممثلو كل دولة للدفاع عن وجهة نظرهم التي تخالف وجهات النظر الأخرى فينقلب البرلمان إلى ساحة فوضوية تتكسر فيها المصالح على صخرة الخلاف، ولقد حدث ذلك الأمر تماماً في الجامعة العربية الحالية عندما كانت في أوج عظمتها في أول الحرب الفلسطينية، ذلك أنه رغم أن هدف