للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرذيلة، وتلك النظرات الزائغة تطوِّف بأرجاء المكان وفيها نهم ما يشبع وبها قحة ما تترفع، وهي - دائماً - لا ترعوى من حياء ولا ترتدع من خجل. وهذه المباذل الإنسانية تنحط إلى حوانيتها حين تتعرى عن الدين والشرف

(إنني أتقزز من هذا الفتى الذي جاء يغسل قاذورات جسمه ليكشف عن أدران نفسه

(وأمقت هذه الفتاة الطائشة حين تنفلت - بين الحين والحين - من بين يدي الرقيب، وهو هين لين، لتسمر ساعة إلى فتى من فتيان الشاطئ؛ تعرفت إليه في نزوة من نزوات القلب، واطمأنت إليه في ثورة من ثورات الشباب، فاغترها بحديثه، وخلبها بشبابه. والتاث عليها الأمر فعميت عن أن تراه وهو يجرها إلى هاوية من العبث والخطيئة، والشيطان من بينهما يُزوق الحديث ويمهد السبيل). وقلت لي، أيها البحر:

(أما هذا الرجل، فهو قصة الشاطئ وروح الشر وبلاء الإنسانية. هو رجل جاوز سن الشباب، فلمعت في فوديه شعرات بيض علامة العقل في رأس أحمق، وعبثت أنامل الأيام بنضارته فسطرت خطوط الرزانة على جبين فارغ. هو أب وزوج، ولكن أنانية عاصفة دفعت به إلى هنا ليعيش وحده عمراً من عمره ينبغي الفراغ من أعباء الحياة وينشد الراحة من قيود الأسرة ويطلب النجاء من أغلال الدار. ومن ورائه زوجته وأولاده يتلهبون في لظى القاهرة، ويتحرقون في عذاب الوحدة، ويتقلبون في ألم الفراق

(وبهره منظر البحر وهو يموج في آذِّيه، وخلبته هبات النسيم وهي عليلة ندية، وسحرته الأجسام العارية وهي تتألق في ضياء الشمس، ووسوس له الشيطان فانطلق الرجل فيتبانة يذرع الشاطئ وإن في عينيه الظمأ والفجور

(يا لضعة الإنسان إن خلع إنسانيته ليصبح وحشاً كاسراً لا يؤمن إلا بشريعة الناب والظفر!

(واطمأن الرجل - بعد لأي - إلى فتاة من فتيات الشاطئ. . . فتاة في ريعان الشباب ةرونق الحياة وجمال الأنوثة، تقضي سحابة يومها بين طفلين تحت مظلة، فهو يرمقها بنظرات شرهة جامحة، وهي تختلس إليه نظرات متكسرة. وابتسم هو وابتسمت. ثم انطوت الأيام فإذا الفتاة قد أسهلت وانقادت، وإذا هي إلى جانب صاحبها يتحدثان في غير رقبة ولا حذر رغم أنها زوجة وأم؛ زوجة موظف صغير طارت عن بيته لتنعم هنا بالحرية بين طفليها. لقد نبذت زوجها هناك في القاهرة يذوق مرارة الوحدة والحرمان في

<<  <  ج:
ص:  >  >>