الخمسين ألف راجل، وزحف بهم لمهاجمة أهل تلك الجبال ونازلهم وخرب ضياعهم وقطع كرومهم ومزقهم بعد ما قاتلهم أحد عشر يوماً، قتل فيها الملك الأوحد شادي بن الملك الزاهد داوود وأربعة من الجند، وملك الجبل عنوة ووضع السيف وأسر ستمائة رجل وغنمت العساكر منهم مالاً عظيماً وعاد إلى دمشق في أربع عشر صفر ٧٥
وفي المقريزي: أن السلطان أقطع في جمادي الآخر جبال كسروان بعد فتحها للأمير علاء الدين ابن معبد البعلبكي وسيف الدين بكتمر عتيق بكتاش الفخري، وحسام الدين لاجين، وعز الدين خطاب العراقي، فركبوا بالشربوش وخرجوا إليها فزرعها لهم الجبلية ورفعت أيدي الرفضة عنها.
وسنعود بعد قليل إلى هذا الإقطاع بالذات لأهميته.
ويظهر جلياً أن أهل الجبال كانوا السبب المباشر لشن الغارة على أراضيهم فقد ذكر صالح بن يحيى: في تاريخ بيروت ما يأتي عن النوبة الثانية نقلا عن النويري:
(كان أهل كسروان قد كثروا وطغوا واشتدت شوكتهم وامتدوا في أذى العسكر عند انهزامه من التتر سنة ٦٩٩ (١٣٠٠ ميلادية) وتراخى الأمر عنهم وتمادى وحصل إغفال أمرهم فزاد طغيانهم وأظهروا الخروج عن الطاعة واعتزلوا بجبالهم المنيعة وجموعهم الكثيرة وأنه لا يمكن الوصول إليهم).
وهكذا يتضح أن الفوضى عمت جبال كسروان وأن الأعتداء حصل على الجيش عند تراجعه من حملة التتار الأولى قبل موقعة شقحب، وفي ذلك يقول أبو الفداء وهو معاصر أنه على أثر حملة الأمير أقوش الأفرم ٧٠٥ طهرت تلك الجبال الشاهقة بين دمشق وطرابلس، وأمنت الطرق بعد ذلك، وهذا يفسر اجتياز هذه الطرق بالذات بواسطة السلطان قايتباي بعد قرنين تقريباً من الزمن حينما اشتدت الحوادث بين مصر من جهة ودولة حسن الأكبر (اوزون حسن) ثم مع بني عثمان من بعده وذلك للتأكد من أمن الطرق إذا قدر للجيوش المصرية أن تتراجع فلا تهاجم من الخلف.
ويستمر صالح بن يحيى يحدثنا فيقول:
في ذي الحجة ٧٠٤ جهز إليهم (أي أهل كسروان) جمال الدين آقوش الأفرم نائب الشام زين الدين عدنان ثم توجه بعده تقي الدين (ابن تيمية) وقراقوش وتحدثنا معهم في الرجوع