هذا هو الأداء النفسي الذي أبحث عنه وأدعو إليه، الأداء النفسي الذي يستمد صورته التعبيرية من الصدق الفني والصدق الشعوري، ويعتمد على العناصر الثلاثة التي حدثتك عن قيمها الفنية، وهي اللفظ والجو الموسيقي: اللفظ الخاص، والجو الخاص، والموسيقى الخاصة. . . وتعال نستعرض مواكب الألفاظ أولا في شعر أبي ماضي:
قف عند البيت الأول لتتفيأ الظلال النفيسة في كلمة (حدِّق). وقف مرّة أخرى عند البيت الثاني لتنفذ إلى أعماق الواقعية في كلمة (أرعن). وقف مرة ثالثة عند البيت الثالث لتتذوق المعاني الحسية في كلمة (مدندن). وطبق هذه اللمحات واللفتات على الأبيات التالية حين تقف عند كلمة (يتسلق) و (يخوض) و (تشيطن) من ناحية الحركة المتدفقة في ثنايا التعبير. وعندما تبلغ البيت العاشر قف طويلا لتطرق الأبواب الشعورية الضخمة في كلمة (ولد). . . لو قال أبو ماضي مثلا (أنا ذلك الطفل) بدلا من (أنا ذلك الولد) لغدت اللفظة عادية لا تثير في النفس شيئاً من المشاعر والأحاسيس. ولو قال مثلا (أنظر) بدلا من (حدق) لبدت اللفظة مغرقة في المادية فلا إشعاع ولا إيحاء!
إن الألفاظ هنا قد اختيرت لتوضع في مواطنها الأصيلة لتؤدي دورها الأصيل في إرسال الموجات الصوتية المعبرة عن واقع الهزات المنبعثة من الوجود الداخلي. . . وانظر إلى كلمتي (فاضت) و (ماجت) في البيتين الحادي عشر والثاني عشر، وإلى كلمتي (عانقت) و (صفقت) في البيت الخامس عشر لترى مبلغ الإثارة الوجدانية في الصورة الوصفية. وقل مثل ذلك عن البيت الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين عندما تضع في بوتقة الشعور كلمة (تبطئ) و (يكحل) و (يذوب). . . وأقم الميزان كل الميزان لهذا الحقل الذي (يرتجل) الروائع من الزنبق والسوسن، ولهذا الجمال الذي (شرد) في شعاب الأرض يلتمس المأوى حتى إذا ظفر به (ألقى رحله) واستراح. ولا تنس ذلك الفن الذي (استعرض) الجبال ليختار