أقول إننا إذن في حاجة ماسة إلى جمع نصوص الوثائق المملوكية من عقود الهدنة والصلح الموزعة في الكتب وتحقيق كلماتها حتى تراجع مراجعة صحيحة لكي نستفيد من محتوياتها: هذا علاوة على المراسيم الخاصة بولاية العهد أو الصادرة بتوليه الأمراء أو بالإقطاعات: ومن بعض هذه الوثائق يتضح مدى اتساع الإمبراطورية الإسلامية لمصر في أزهى عصورها بلا استثناء وقد جاء في نهاية عقد هدنة المنصور قلاوون (وما سيفتحه الله على يده ويد ولده وعساكرهما وجنودهما من الممالك والحصون).
وقد تمت الفتوحات جميعاً حتى ذكر ابن الفرات (ولم يتأخر بالبلاد الشامية غير فلاحيها وهم داخلون في الذمة).
وأرجح أن الجزء الجنوبي من لبنان حيث كان يسكن أمراء الغرب من آل بحتر التنوخيين لم يتعرض لهذه الحملات ما عدا الجرد الشمالي، إذ المعروف أنهم كانوا حلفاء وأعواناً لملوك مصر ابتداء من الدولة التركية المعز ايبك، إذ جاء في كتاب صالح بن يحيى ذكر منشور المعز إيبك للأمير سعد الدين خضر، وجاء فيه أن الأمير زين الدين بن علي وفد على السلطان قطز واشترك محارباً في معركة عين جالوت لما قهر المصريون التتار، وجاء فيه ذكر عدة مراسيم أرسلها الظاهر بيبرس إلى الأمراء وقال عنهم (الأمراء المثاغرون على صيدا وبيروت) وكذلك ما صدر من ابنه الملك السعيد بركة خان، ولم تكن صيدا وبيروت بيد المصريين في ذلك الوقت. ويبدو مؤرخو الحروب الصليبية في حيرة من موقف بعض الأمراء.
فالأب لويس شيخو يستخلص من حادثة معينة أن بعض الأمراء كان حليفاًللصليبيين فيقول أن أحد أعداء الأمراء المسمى تقي الدين نجا بن أبي الجيش سعى بهم زوراً إلى ملك مصر الظاهر بيبرس مدعياً أنهم حالفوا الإفرنج وخانوا الدولة.
وأعتقد أن هذه الحادثة بالذات تحتاج إلى عناية المشتغلين بالتاريخ المصري لأن المكتبات التي صدرت من جهتهم لبلاط القاهرة وإجابة الملك الظاهر بإفرار أقطاعهم وبلادهم تكشف لنا عن ناحية فذة من عظمة الظاهر وسياسته.
ولا أعتقد بوجود سياسة للأمراء مرسومة للعمل على ناحيتين في تلك الحقبة بالذات خصوصاً وقد بدأت طلائع الظفر والمجد والقوة تبرز بروزاً في ناحية الجانب المصري