ويعجبني صاحب البداية والنهاية حينما يتكلم عن شيخ الإسلام ابن تيمية فهو يعرفنا بأن الشيخ خرج ومعه جماعة من أصحابه إلى جبل الجرد والكسروانيين فاستتابوا خلقا منهم وألزموهم بشرائع الإسلام ورجع مؤيداً منصوراً ومنه نعرف أن وسيط أو نذير الأمير جمال الدين أقوش المسمى زين الدين بن عدنان كان يشغل وظيفة نقيب الإشراف بدمشق وحدثت هذه الوساطة في مستهل ذي الحجة سنة ٧٠٤.
إذن سبقت الحملات بعثة سياسية دينية، وفقت في إقناع البعض ولم توفق في إقناع البعض الآخر وهؤلاء الآخرين هم الذين أفتى العلماء بقتالهم. لأنه في ثاني المحرم سنة ٧٠٥ خرج نائب السلطنة الأفرم جمال الدين أقوش وجنوده إلى بلاد الجرد والرفض والتيامنة (أي وادي التيم) السالف الذكر ويقول ابن كثير (فنصرهم الله عليهم وأبادوا خلقاً كثيراً) ثم أردف (وقد حصل بسبب شهود الشيخ هذه الغزوة خير كثير وأبان الشيخ علماً وشجاعة وقد امتلأت قلوب أعدائه حسداً له وغماً).
وفعلاً بدأ أعداؤه حملة الافتراء والأكاذيب والدسائس عليه شأنه شأن كل الرجال النافعين القادرين على العمل بإخلاص وشجاعة في هذا الشرق.
وأعود إلى ما سموه جبال الجرد: فهذه نهايتها آخر حد ولايات الغرب شمالا وفيها بلدة المديرج الواقعة على طريق الشام.
وفيها نهر الصفا وبها كانت واقعة عين صوفر المشهورة: ويحدثنا صاحب كتاب أخبار الأعيان عن حملة الجرديين (سنة ٧٠٢ هجرية - ١٢٩٣ ميلادية) إنها بدأت بمنشور أرسله الملك محمد الناصر بن قلاوون إلى جمال الدين أقوش الأفرم نائب دمشق وإلى أسندمر نائب طرابلس وإلى سنقر المنصوري وإلى الأمراء التنوخية يأمرهم بحشد الجيوش لمحاربة كسروان وأهل الجبال جاء فيه (من نهب امرأة كانت له جارية أو صبياً كان له غلاماً ومن أتى منهم برأس مقتول كان له دينار لأن المذكورين كانوا نجدة الإفرنج).
ويقول المطران الدبس نقلاً عن الأسقف جبرائيل أبي القلاعي أن المعركة دارت عند جبيل وأن المقدمين الذين نزلوا من الجبال كانوا ثلاثين مقدماً منهم خالد مقدم مشمش. سنان وسليمان مقدما إبليج. سعادة وسركيس مقدما لحفد. عنتر مقدم العاقورة. بنيامين مقدم