وانفلتت ذاهبة، ثم عادت بعد حين. نظرت إليها مشدوهاً وهي تكوِّم أمامي اللعب التي أهديتها إليها ووجهها عابس وشفتاها ملتويتان. واستدارت لتعود أدراجها فتشبثت بذراعها.
- ماذا بك يا فيفي؟! لماذا خاصمتيني؟!
حاولت أن تتملص من قبضتي فخابت، وعندئذ انفجرت بالبكاء. وصرخت في غضب حزين:
- أنت كذاب. لا أنت لا تحبني. . . وأنا لا أحبك أيضاً. أنا أحب بابا. سيعود بابا وسيضربك أنت وماما.
وتركت قبضتها مذهولاً فمرقت من الباب كأنها تفر من سجن: وتحولت إلى كوم الدمى أرقبه في لوعة وأسف. ما الذي غير قلبها عليّ؟! وما شأني في الأمر إن كان غياب أبيها مصدر لوعتها؟! ولماذا باتت تحس نحوي بهذا النفور الشديد؟!
وأصبح مرآي يثير الاشمئزاز والكراهية في نفسها، ما تكاد عينها تنالني حتى تفيض بنظرة مقت. وتتقلص ملامح وجهها ويغمره فيض من عواطف البغض. وبدأت تعيش كالغريبة في الدار. ما تكاد تعود من مدرستها حتى تلجأ إلى غرفتها لتناجي لعبها في صمت. ولم تعد تسأل أمها عن أبيها، وأخذت تمضي معظم ساعات النهار في بيت عمتها، فأمسى المنزل كئيباً موحشاً. واقتنعت بتلك اللحظات القصيرة التي تتهيأ لي فيها رؤيتها حين تجلس إلى مائدة الفطور. وفي تلك الدقائق كانت تثبت عينيها المتألقتين ببريق الحقد على وجهي وتتأملني في وجوم. حاولت مرة أن أحدق في عينيها لأستشف من ورائهما ما يدور في فكرها. ولشد ما دهشت حين قفزت من مقعدها في صمت وحملت كوب الشاي وانسلت إلى غرفتها بهدوء. وجرت أمها خلفها لتعيدها إلى مقعدها فواجهتها بالصراخ والنحيب حتى أفلحت في الذهاب. وصار من المألوف أن تسبقني إلى الفطور، فإذا رأتني مقبلاً على المائدة تركت الفطور واختفت في غرفتها بسكون. . لماذا تكرهيني يا فيفي، لماذا؟!
ودب النحول في جسمها وغمر الشحوب وجهها وانطفأ بريق عينيها سوى بصيص من الحزن والمقت. والأم حزينة لحال ابنتها مسرورة بحبها الجديد. أنا مهموم محزون لا أدري ماذا أفعل وكيف أستعيد محبة الطفلة ثم حدث أن عدت من (السينما) ذات مساء في الساعة