البترول العراقي ومجيء وعد بلفور وإنشاء الوطن القومي الصهيوني ومفاوضات الوسطاء بين فيصل الأول والدكتور وايزمان العميد االصهيوني، واستجمعت ذكرى الليالي الطويلة التي أمضيتها في فندق الملك داود بمدينة القدس استمع فيها إلى أحاديث رجال من البريطانيين واليهود وأنصت إلى أنصار الهاشميين وأنصار الحاج أمين الحسيني. لقد أمضيت سنتين بفلسطين تمر أمام ناظري الحوادث والمقابلات بين مختلف الرجال الذين يضعون الخطط ويجتمعون ثم ينفضون إذا كانت توضع أسس دولة إسرائيل. . . على احتمالات الأخطاء التي سوف يرتكبها رجال السياسة من العرب - لقد مر كل هذا أمامي عند تناولي الطعام - ولقد نزلت من صوفر إلى بيروت وأنا غير مرتاح لمقابلتي هذه إذ كنت أشعر بأننا على أبواب مفاجئات جديدة. . . وفعلا تحقق هذا الشعور الذي قلما أخطئ فيه؛ إذ أطل علينا شهر مارس سنة ١٩٤٣ وهو الشهر المملوء بالحوادث التي جاءت متتابعة متلاحقة، فبدأ الجنرال كاترو يجد في تنفيذ ما اتفق عليه بالقاهرة فكثرت تنقلاته بين بيروت وحلب وحمص، وكان يؤكد في أحاديثه أنه ينفذ قرارات حكومة فرنسا المقاتلة الممثلة في اللجنة الفرنسية بالجزائر، وأن التعليمات التي لديه من شرائطها قيام معاهدة بين فرنسا ودولتي سوري ولبنان. وكان يبدو لي من حديثي من أغلب الزعماء الذين قابلتهم أنهم يرحبون بعودة معاهدة سنة ١٩٣٦ بل قال بعضهم إن هذه المعاهدة أوسع نطاقاً من المعاهدتين اللتين عقدتهما بريطانيا مع مصر والعراق، وأنه لو كانت بريطانيا في مكان فرنسا لاستفادت سوريا كثيراً من تطبيق هذه المعاهدة. كنت أقابل هذه التصريحات بالصمت المؤذن بأن صاحبه لا يهتم بهذه الناحية. . . ولا يود الخوض في موضوعها بالذات.
ومادامت مفاوضات القاهرة لم تتعرض لموضوع المعاهدة لم يكن من المصلحة إثارة شئ عن ذلك، ما يبقى اسم مصر بعيدا عن هذه الدعاية القائمة. والحقيقة أن الفرنسيين أثاروا الموضوع حينما وجدوا شبه إجماع على العودة إلى إحياء المعاهدة السورية الفرنسية، ولم يبدأ الزعماء في التحرر من أقوالهم إلا عند ما ظهرت في الأفق اتجاهات سياسة معينة؛ ولكن الذي أعلمه تماماً أن هاشم بك الأتاسي كان أول من هاجم المعاهدة أمام الجنرال كاترو. وقد أبلغني الجنرال أن هاشم بك لم يستطيع شرح وجهة نظره وتقديم أدلة كافية