لمظهر الإنسان أثر في شخصيته، فالرجل الصحيح الجسم الحسن القامة، قد لا يحتاج في إظهار شخصيته والتأثير في غيره إلى ما يحتاجه الشخص النحيف الجسم، المشوه الخلقة؛ فبينما تجد الأول طبيعياً في معاملته لأنه لا يشعر بنقص خارجي يريد أن يكمله، إذ تجد الثاني محباً للتظاهر، متكلفاً في أقواله وأفعاله، متخذاً كل وسيلة يستطيع أن يظهر بها نفوذه، فيتظاهر بالعلم تارة، ويفخر بحسبه ونسبه تارة أخرى. وقد يتخذ أحياناً وسائل ثعبانية أو ثعلبية، ليظهر بها نفسه أمام من يبغي الظهور بينهم، فيلجأ إلى الوشاية حيناً، وإلى الملق حيناً آخر. وقد يضطر إلى التجمل في جسمه ولبسه، أو المداعبة في حديثه، كل ذلك ليكمل ما فيه من نقص جسمي.
فالإنسان حينما يحس بنقص من الناحية الجسمية مثلاً تراه يعمل على أن يسد هذا الفراغ، ويكمل ذلك النقص من الناحية العقلية أو الخلقية حتى يظهر شخصيته للملأ. فسقراط مثلاً شيخ الفلاسفة من اليونان، كان أفطس الأنف، غليظ الشفتين، جاحظ العينين، قبيح المنظر، ولكنه قد وصل بمواهبه العقلية والخلقية الأخرى إلى ذروة المجد. ويكفيه فخراً أنه أستاذ أفلاطون، وأنه أكبر فلاسفة اليونان. والجاحظ كان أديب العلماء، وعالم الأدباء، وما لقب بهذا اللقب الذي كان مبغضاً إليه إلا لأنه كان جاحظ العينين (بارِزهما)، دميم الخلقة، حتى قيل إن الخليفة المتوكل سمع بمنزلته من العلم والفهم، فاستقدمه إليه (بسر من رأى) ليؤدب ولده، فلما رآه استبشع منظره، وصرفه بعشرة آلاف درهم. ولكنه بجانب ذلك كان خفيف الروح، ذكي الفؤاد، واسع الاطلاع، وكان يعد دائرة معارف في الآداب والعلوم واللغة والتاريخ حتى أصبح لقبه - الذي كان يكرهه - دليلاً على التبحر في العلم والآداب، والتفوق في فنون البلاغة والبيان، سئل كيف حالك يا أبا عثمان؟ فقال:(حالي أن الوزير يتكلم برأيي، وينفذ أمري، ويواتر الخليفة الصلات إلىَّ. . .) والتاريخ حافل بكثير من العظماء المشوهة أجسامهم، السامية أرواحهم وعقولهم، فلا حاجة بنا إلى التطويل. وكل ما نريد أن نقوله هو أنه إذا نقص الإنسان من جهة حاول أن يكمل نفسه من جهة أخرى.