للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عهده للأمة قبل نشوب الحرب، فقد كان يقول أنه لا يخشى تهديد إنجلترا ولا أوربا ولا تركيا وإنهُ مُصرُّ على أن يدافع عن مصر حتى آخر رمق من حياته. فليت شعري لمَ لم يف بعهده فيكون دفاعه على الأقل صفحة بطولة في تاريخه وفي تاريخ مصر، أما إذا كان معتزماً التسليم لمجرد الهزيمة فكان الأولى به أن لا يغامر بالبلاد في حرب أدَّت إلى الاحتلال والهوان، فهزيمة التل الكبير لم تكن هزيمة عرابي وحده أو هزيمة لجيشه بل هي هزيمة لمصر بأسرها إذا كانت نتيجتها الاحتلال البريطاني) بل لقد ذهب الكاتب إلى أبعد من ذلك في تفسير فرار عرابي فقال أنه لم يفر من الموقعة ليواصل الجهاد ولكن لكي ينجو بنفسه؛ ولو كان مجاهداً حقاً لظلَّ يجاهد حتى آخر نسمة من حياته.

أفلا يرى القارىء العزيز إلى أي حد يذهب بعض الكتاب في إلقاء مسئولية ذلك الاحتلال المشئوم على عرابي والعرابيين؟ إن الاتهام تلو الاتهام ينصب في غير رحمة أو هوادة على العرابيين وعلى رأس عرابي بالذات.

ولكن مهلاً أيها القارئ العزيز فسنستعرض بقية الآراء حتى نعثر على الحقيقة في ثنايا ذلك الاستعراض فتكون الحقيقة والحقيقة وحدها سبيلنا إلى تحديد المسئولية والمسئولين وحتى نستطيع استخلاص العبرة من تاريخ ذلك الاحتلال.

- ٢ -

لا، ليس عرابي هو المسئول. ولكن المسئول الأول والأخير هو الدولة العثمانية. تلك الدولة التي دبَّ الضعف والانحلال في جميع أرجائها فاستحقت بذلك لقبها المشهور (الرجل المريض)

ألم تقف الدولة العثمانية عقبة كؤودا في سبيل نهوض مصر؟ ألم تعمل السياسة العثمانية على إبقاء مصر ضعيفة ظناً أن هذا الضعف هو الوسيلة الوحيدة لبقاء مصر داخل نطاقها؟! ثم هذا الموقف المضحك المزري الذي وقفته إزاء الثورة العربية! كيف ترتضى لنفسها الاشتراك في تمثيلية مؤتمر الآستانة؟! وبأي حق تسمح للدول الأوربية أن تقحم أنوفها فيما لا يعنيها؟!

وكيف تنخدع هي الأخرى بهذا المؤتمر وبسراب الخطب التي ألقيت فيه؟ يضع مندوبو الدول في هذا المؤتمر ما أسموه: (ميثاق النزاهة) وفيه تتعهد الحكومات التي يوقع

<<  <  ج:
ص:  >  >>