وهناك سبب آخر جعل أبا الهذيل أولا ثم المعتزلة ثانياً يردون الصفات إلى الذات. يقول أبو الهذيل: هناك فرق بين قول القائل إن الله عالم بذاته لا يعلم، وبين القائل إن الله عالم يعلم هو ذاته، وهو أن القول الأول نفى الصفة والثاني إثبات ذاته هو بعينه صفة أو إثبات صفة هي بعينها ذات؛ وإذا أثبت أبوالهذيل هذه الصفات (العلم والقدرة والحياة والعدل) وجوهاً للذات فهي بعينها أقانيم النصارى - لذلك نفى القول الثاني القائل بأن الله عالم يعلم هو ذاته حتى يرد الأقانيم عند النصارى.
قدم علم الله:
لما كان علم الّه هو الله، ولما كانت ذاته تعالى تتصف بالقدم، فإذاً علمه قديم أيضاً. وهذه نقطة في غاية الأهمية عند المعتزلة. ولا ينفك أبوالهذيل والنظام يرددان القول يقدم العلم. ويقول هشام الفوطي إن الله لم يزل عالماً لنفسه لا يعلم سواه قديم ولا يعلم محدث وإن الله لم يزل عالماً بأنه سيخلق الدنيا ثم يفنيها ثم يعيد أهلها (فريق في الجنة وفريق في السعير).
تضيف المعتزلة على قولها إن الله لم يزل عالماً بنفسه قولها بأنه تعالى عالم لذاته أزلا بما سيكون (والمستقبل لا يوجد إلا بالنسبة لنا وليس له وجود عند الله). وهناك فارق كبير بين علم الله وعلم الإنسان: فعلمنا بما سيكون هو علم بشيء جائر، على عكس علمنا بما يكون فإنه علم بشيء متحقق واقعي. ولكن علم الله هو علم بشيء حقيقي لا بشيء جائز، لأنالجائز يمكن أن لا يتحقق وعلم الله لا يتعلق به.
اعتراض على هذا القول: اعتراض هشام بن الحكم:
بما أن الله لم يزل عالماً بالأشياء حتى قبل وجودها ولم يزل قادراًً عليها فهل ما يعلمه الله وما يقدر عليه قديم أيضاً؟ هذا سؤال وجهه هشام بن الحكم (الرافضي) إلى المعتزلة قائلا لهم: إن كان الله عالماً بدقائق الأمور وجلائلها لنفسه فهو لم يزل يعلم أن الجسم متحرك لنفسه لأنهالآن عالم لذلك وما عَلمهالآنفهو لم يزل عالماً به. فإن كان هذا هكذا فلم يزل الجسم متحركا لأنه لا يجوز أن يكون الله يزل عالماً بأن الجسم متحرك إلا وفى الوجود جسم متحرك على ما وقع به العلم.