ولا يتحمل التبعات، ولكن امرأ القيس (الشاعر) لا يكاد يوجد فيها. نعم إنه أنشد أقحوان بتين، وروى خادمة أبو زبيبة الأبيات التي مطلعها:
سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حال
وأنشد بضعة أبيات بالمشهد الثالث. ولكن كان ذلك ضئيلا لا يكون للشاعر صورة، وقد حذف جزء من الفصل الأول كان فيه ينشد أبياتاً ظريفة لعذارى الغدير. وكان هذا الجزء بسبيل إلى إبراز صفة الشاعرية. ومن تصرفات امرئ القيس القليلة الدالة على رقة الشاعر وإنسانيته، موقفه أمام الغزال الذي اصطاده وأسفه على أن صرعه وقوله في ذلك: ألا يستطيع المرء منا أن يأكل دون أن يقتل؟
ولم يكن تغزله بفاطمة ليلة نعى أبيه وهي مكتئبة حزينة باكية وإلحاحه في معابثتها ومجاذبتها على هذه الحال، مما يتفق والإحساس الدقيق النبيل الذي يتميز به الشاعر، بل كان هذا الموقف أدنى إلى الحيوانية، ولا يبرره السكر، فإن الإحساس الأصيل لا يتغلب عليه شيء. والطبع الفني الرقيق لا يخرجه العبث والمجون عن دائرة مشاعره الإنسانية العالية.
والفصل الثالث الذي اضطر المخرج إلى حذفه، كان يحتوى أمرين مهمين، أولهما بيان خلة امرئ القيس في حرصه على ألا يضيع حظه من اللهو والشراب طويلاً، فما إن من بنى أسد بعض النيل حتى هرع إلى اللهو وإباحة الشراب.
الأمر الثاني تصوير فاطمة وهي تجد في العمل على مواصلة القتال وتحريض امرئ القيس، وهذا التصوير ضروري لكي يدرك المشاهد روعة انقلابها عندما عرض عنها امرؤ القيس وأغلظ لها فإن هذا الانقلاب الشعوري لمعة في أثناء الحوادث يدل على حرص الأنثى على الناحية العاطفية مهما اشتدت وتطلعت إلى المجد. ولم يكن الحديث الموجز الذي نطق به الصوت المسموع كافياً لإبراز ذينك الأمرين.
وفي المشهد الثالث عندما يئس امرؤ القيس من مساعدة من استنجد بهم نراه يستغرق في تأملاته وتفكيره استغراق المجرب الذي عرك الحياة وعلمته الشدائد، فيتحدث عن تغير الأصدقاء، وعن قيمة الحياة وهل هي المتعة بإشباع البطن وقضاء الشهوة يستوي في ذلك الإنسان وغيره من الحيوان، أولها أهداف ومقاصد يسعى إليها كل ذي عقل ورشد،