للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخاص ففتح بابه للأجانب، فدخله المستعمرون والمبشرون من فرنسا وأمريكا، وأنشئوا في ظل الامتيازات الكلية الأمريكية سنة ١٨٦٦، والكلية اليسوعية سنة ١٨٧٤. وكان اللبنانيون في عهد بني عثمان كالموالي في عهد بني أمية، أبعدوا عن مناصب الدولة فاشتغلوا بالعلم، وحيل بينهم وبين موارد الثقافة في عاصمة الخلافة فاعتمدوا في التعليم على أنفسهم. وكانت (المدرسة الوطنية) التي أنشأها المعلم بطرس البستاني سنة ١٨٦٣ أول مدرس تخرج فيها صفوة من الأدباء كانوا عدة الكليتين الأمريكية واليسوعية في تعليم اللغة العربية. وكانت كتب التعليم في هذه المدارس هي كتب الأزهر بعد أن بيض اللبنانيون أوراقها الصفر، وسهلوا أساليبها الوعرة، وقرنوا قواعدها الجافة بالأمثلة الشارحة والتطبيقات المدربة، واحتذوا في تنسيقها على مثال ما درسوه من كتب التعليم الفرنسية.

ثم كان من أثر جلوس إسماعيل على كرسي الخديوية أن بسط ظلال الأمن على ربوع مصر، ومهد لرجوع المدنية إلى ضفاف النيل، فوفد علينا الأجانب للتبشير والتعليم والعمل والتجارة، وفيهم جماعتنا الفرير والجزويت. ثم فتح ما انغلق من المدارس، ووصل ما انقطع من البعوث، وأسس نظارة المعارف، ووسع دائرة التعليم، فاقتضى ذلك كله أن ينشئ مدرسة يتخرج فيها المعلمون، فأنشأ دار العلوم في سنة ١٨٧١ ليتخصص طلابها في الآداب العربية، ويشاركوا في العلوم الدينية والعقلية، ويأخذوا بنصيب من الثقافة الأوربية. وكان أساتذتها يومئذ من نابغي شيوخ الأزهر، وتلاميذها من متقدمي طلابه، وكتبها من أمهات كتبه. ولكن اتصال أهلها بالحياة المدنية، وتأثرهم بالآداب الغربية، واقتباسهم لطرق التعليم الحديثة، جعلت لهم في التفكير والتعبير والسمت طابعا خاصا يميزهم من رجال الدين في الأزهر وتوابعه. فمدرسة دار العلوم كانت في القاهرة أثرا لسياسة إسماعيل العامة، كما كانت المدرسة الوطنية في بيروت أثرا لنظام لبنان الخاص. وكانت هاتان المدرستان - كما قلت - شعبتين من أرومة الأزهر، أمدها بالغذاء والري، ووصلهما بالروح والحرارة؛ ولكنهما لأسباب متجانسة، وعوامل متشابهة، تميزتا منه بالشكل واختلفتا عنه في الثمر. غير أن الاختلاف في المدرسة المصرية كان ضعيفا لقربها من الأزهر في البيئة والعقيدة والعقلية والتقاليد، فهي فرع طبيعي من أصله، ونوع ممتاز من جنسه؛ ولكنه كان في المدرسة اللبنانية شديدا لبعدها عن الأزهر في المكان والدين والتربية والسنن

<<  <  ج:
ص:  >  >>