بالموضوع الذي نحن فيه أنها حريصة على الاحتفاظ بالشرف الذي كان لها بحق من حمل لواء الإسلام في الماضي ولكنها في الوقت نفسه تتوق وتجتهد وتتكلف ما يسمونه (مسايرة الغرب) باحتضان كل ما جد من النظريات والاتجاهات السياسية كما أن النساء المتجملات يلهجن بكل ما تبتكره باريس من الأزياء - حتى الذيول الطويلة!! - كل صيف وشتاء؛ أو لا ترى أنها ثارت مطالبة بالاستقلال والوحدة فكان من حظها الاستعمار والفرقة. ولا ضير في ذلك فإن الأمم كالأفراد كثيرا ما تخطئ حسابها وتفشل في خطتها ولكنها سرعان ما رضيت بالفرقة وبدأت تعتز وتباهي بالفوارق الوطنية فيما بينها كالأصل الفينيقي والحضارة البابلية والمدنية الفرعونية وما إلى ذلك مما نبشه الباحثون المستشرقون لتلهيتها (عن كل مكرمة) واستمر الحال كذلك طيلة الفترة ما بين الحربين إلى أن تغيرت الأوضاع الدولية وتدهورت الأحوال رأسا على عقب، فهتف هاتف من الغرب بضرورة الاتحاد فارتجلوا اجتماعا بين الملوك وإجماعا بين الحكومات على ميثاق الجامعة العربية. ومنذ ذلك اليوم و (العروبة) يخفق لها قلب كل عربي. وكلمة العروبة أو القومية العربية لم تكن واضحة المعالم أبدا وهذه هي نقطة الضعف لا شك فيه، فإن زعماء الثورة الأولين لم يعنوا حينما نطقوا بها شيئا يعارض الوحدة الإسلامية. وليس أدل على ذلك من أن طوائف معينة معروفة باعتمادها الاستعمار الأجنبي اعترضت سبيلها ولم تزل تقاومها حتى أرغمت الأكثرية العظمى على تلطيف، بل تغيير مدلولها تغييرا جوهريا بحيث أصبحت تعبر عن أهواء الذين يعادون الفكرة الدينية الإسلامية لا لشيء إلا لولائهم لدينهم؛ كفى بذلك شاهدا ما جاء في كتاب نبيه أمين فارس المسمى ب (العرب الأحياء) والمنشورات الأخرى الحديثة عن مقومات العروبة التي لا بأس أن يدخل فيها كل شئ من عصور ما قبل التاريخ إلى العهد الحاضر ما عدا الدين الذي يراد إبعاده عن حياة الغالبية العظمى من العرب. وأخيرا تصادف أن فقدت هؤلاء الطوائف ربيبة الاستعمار عمادها أو القط الذي كانت هي بمثابة المخلب له وذلك في وقت نجحت فيه فكرة فصل الدين عن السياسة بين المسلمين نتيجة لضعفهم وخيبة آمالهم، فليس للحال الجديدة لباسها - لباس الوطنية الصادقة (ولكن مع ضمان وضع خاص فليتأمل!) - حتى جاء الاعتراف باستقلال لبنان الذي لم يرض به كثير من الوطنيين المخلصين إلى آخر لحظة، رمزا للتبرؤ من العون الأجنبي من جهة