وإذا كان بعض شباب الأدباء يندفعون أحياناً مع القلق في أحاديثهم عن شيوخ الأدب، فإن عليهم أن يذكروا أن هؤلاء الشيوخ قد أهدوا إليهم من الثروة الفنية ما لم يسعدهم الحظ بمثله في بدء حياتهم، وأن على الشبان واجباً لا يستطيعون أن يتخلوا عنه، وهو أن يبلغوا من الإجادة الفنية أعلى مرتبة، إذ لا عذر لهم في التخلف وقد شق الشيوخ طريقهم من قبل ومهدوها لهم وعبدوها
وقد أضاف الأستاذ الزيات بترجمته لفرتر ورفائيل أثرين عظيمين إلى التراث الفني للغة العربية. ولا أعدو الحق إذا قلت إنهما قد أصبحا قطعتين من الأدب القومي.
وقد نسأل أنفسنا: أكنا أشد حاجة إلى التأليف أم إلى الترجمة في مثل حالنا؟ وقد يقال: إن الترجمة عن اللغات الأخرى تنقل إلينا مشاعر قوم غير قومنا، وتعبر عن خلجات نفوس غير نفوسنا. وقد يقال: إن الشعوب الناهضة أجدر بأن تصور مشاعرها وتتعمق ضمائرها، وأن تنشئ أدبها صغيراً حتى ينمو معها ويبلغ مع الأيام مرتبة التمام في التعبير عن آلامها وآمالها.
ولكن الأدب العالمي تراث مشترك بين الشعوب جميعاً، والأديب النابغ لا يكتب لأمة من الأمم دون الأخرى، فهو إنسان يكتب لبني الإنسان، ومن حقه وحق الإنسانية عليه ألا يعد في أمة من الأمم أجنبياً. وقد كانت اللغة العربية في أمس الحاجة إلى جهاد الأستاذ الزيات في ترجمته، بل إنها ما تزال إلى اليوم في حاجة إلى تأمل هذا المثال الذي ضربه في الترجمة والحرص على احتذائه عند نقل الآداب الأجنبية. ما زلنا إلى اليوم ننقل من تلك الآداب ولن نستغني عنها في يوم من الأيام، بل إن حاجتنا إلى الترجمة تزداد كلما زادت ثروتنا الأدبية اتساعاً وغزارة، وكلما زاد اتصالنا بالفكر الإنساني في أنحاء الأرض قوة ولكن هذا النقل لا يضيف شيئاً إلى ثروتنا الفنية إلا إذا توفر عليه من كان له أهلاً من خاصة الأدباء الذين يملكون ناصية البيان.
قال الدكتور طه حسين بك في مقدمته لترجمة آلام فرتر (والترجمة في الفن والأدب ليست وضع لفظ عربي موضع لفظ أجنبي، إذ الألفاظ شديدة القصور عن وصف الشعور في اللغة الطبيعية فكيف بها في لغة أخرى. إنما الترجمة الفنية والأدبية عبارة عن عملين مختلفين كلاهما صعب عسير: الأول أن يشعر المترجم بما شعر به المؤلف وأن تأخذ