للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتخيرهما من روائع الشاعرين، لنستطيع أن نضعهما فوق مشرحة الدراسة النقدية، مستخدمين مبضع التحليل على ضوء الأصول الفنية التي عرضت لها في مشكلة الأداء النفسي في الشعر؟ إنني على استعداد لتشريح أية قصيدة تقدم إليَّ من الشعر العربي القديم، وعلى استعداد لأن أثبت لمقدمها في غير تجن ولا مغالاة، أن أية ومضة نفسية يمكن أن تشع في بيت من الشعر هنا، ستقابلها عشرات الومضات اللفظية في كثير من الأبيات هناك. . . وهذا هو الحد الفاصل بيني وبين من يختلفون معي في الرأي حول الشعر العربي القديم!

نترك هذا كله لنرد على اللفتة الأخيرة في كلمة الأديب الفاضل حين يقول: (لقد جعلت (شوقي) زعيم مدرسة في حسن الأداء النفسي، لأنه يملك الصدق في الشعور والصدق في الفن، وجعلته قريناً لشاعر آخر. . . والمعروف أن المدرستين مختلفتان في كثير من السمات والوجوه؛ فشوقي في رأيي يحفل بالصدق الفني، ويتأنق في عرض الصورة البيانية، فطابع الصدق الفني أغلب في شعره من الصدق الشعوري، وعلى النقيض من ذلك الشاعر (إيليا أبو ماضي). والذي يهمني بعد، أن توضح لي رأيك في مكان شوقي بين الشعراء، ومكانة شعره في نفسك).

إن القول بأن المدرستين مختلفتان في كثير من السمات والوجوه غير صحيح في جملته، ذلك لأنهما تختلفان في المظهر وتتفقان في الجوهر، ونعني بالمظهر هنا ذلك الإخراج الفني للصورة البيانية، أما الجوهر فنعني به ذلك العرض الصادق للصورة النفسية؛ وهنا تتمثل نقطة الارتكاز في الأداء النفسي حيث تلتقي المدرستان. . . فاللفظ عند شوقي هو لفظ الدلالة الموحية، الدلالة على الموجات الشعورية التي يندفع رشاشها من الداخل ليرطب مسالك التعبير، وهو كذلك أيضاً عند إيلياأبيماضي. الأداء نفسي هنا ونفسي هناك، أما الاختلاف فهو في تلك المعالم الخارجية للهياكل اللفظية، ولا بأس من توضيح هذا الاختلاف الذي يبدو في المظهر لا في الجوهر بأن نقول: إن شعر المدرستين أشبه بثوبين أخرجهما مصنع واحد من نسيج واحد، ولكن العامل الذي ابتكر تلوين هذا الثوب غير العامل الذي ابتكر تلوين ذاك. . .

ولقد سبق أن قلت: إن الأداء النفسي في الشعر، لا بد أن يقوم على دعامتين لا غِنى

<<  <  ج:
ص:  >  >>