ذلك العالم المجهول لشد ما يخيفه، ويفزعه، وذكراه وحدها كفيلة بأن تقلقه. . . (يا ويحه إذا رأى جنازة أو فاجأه عويل نسوة على ميت. . .).
غير أن شيئاً من الاطمئنان يسري في نفسه حين يتزوج، ويرى من زوجته امرأة عظيمة الإخلاص، حنوناً تترفق به، وتحبه، وتسهر على مرضاته، وتقوم مقام الأم الرؤوم، والصديقة الوفية، والزوجة المخلصة.
ولكن الإحساس بالشيخوخة والمرض لا يلبث يطارده، فتنقلب عاطفة إبراهيم الكاتب إلى برود، وينسخ العقل والتفكير أحكام العاطفة، وتتحول النار المضطرمة إلى رماد!.
وتخلو حياته من العواصف. . . فالاتزان عماد حياته، فلا الحب يهزه - كما كان يهز خلفه - ولا الحزن يأخذ بأفكار نفسه. . . فإذا قام الحب بينه وبين امرأة على رغمه، وتصارحه امرأة بما في صدرها من كامن الحب يقف كالشيخ الجليل أمام النار المتوقدة التي تطلب الوقود. . . ويحاول أن يخمدها بحكمته.
دعني أنقل لك موقفاً من مواقف حكمته لترى مقدار التغير الذي أصاب إبراهيم الكاتب.
(عايدة) فتاة عزيزة تعاني الكبت الشديد، والحرمان من كل ما عسى أن يكون فيه إرضاء للأنوثة، وتلطيف من حدة ثورتها الطبيعية، وقلة الثقة بنفسها، كثيرة الوسواس، تنتابها الأزمات العصبية وتتركها مهدمة محطمة. . . وهي مع ذلك ذات جمال وفتنة وقوام رشيق. . . تتعرف إلى إبراهيم، فترى فيه رجلا يملأ عينيها، وترتاح إليه، وتهرب إلى كنفه من رمضاء الحياة. وتجد في صحبته ملاذاً من وساوسها وأوهامها، وكهفاً تستكن إليه حين تعصف العواصف في سماء نفسها القلقة الهشة - وعلى مر الأيام يتسلل عطر الحب إلى صدرها، حتى يضيق به، فتصارحه بذلك:
(أنت حبيبي. . . نعم. . . لا تفتح فمك هكذا كأني رميتك بحجر. . . ما حيلتي؟. كن منصفاً. . . ألقاك كل يوم وأسمع حديثك، وأشعر بقربك، ولا أرى أو أسمع سواك، وأحس عطفك. . . لقد علمتني أشياء. . . وإنك لمسئول عني. . . ولا أمل لي في الحياة. . . وليس لي غيرك. . . أنت عزائي فيها.)
نعم. . . تلقاه كل يوم. . . وتتحدث معه، وتشعر بقربه. ولكن قلبه لا يتحرك لها، ولا يستجيب لنداء فؤادها. . . ما خطبه؟. لقد خمدت في جوفه النيران!!. فيجيبها جواباً أشار