- (اسمعي يا عايدة. . . إنك عزيزة عليَّ، أثيرة عندي. . . ولكن الحب شيء آخر!. لا ينبغي أن يكون بيننا هذا. . . أنه يفسد كل شيء عليَّ وعليك!! أنت فتاة صغيرة عزيزة ومستقبلك كله أمامك. . . وأنا رجل كهل قد خلفت صباي ورائي. ثم إن لي زوجة تحبك وتأتمنك. اسمحي لي أن أقول إني لا أصدق أن فتاة مثلك يمكن أن تحب رجلا مثلي. . . كلا. . . ليس هذا حباً وإنما هو فورة إحساس. . . إنها حركة لنفس مكبوتة ليس إلا. . . نشوة عارضة تحسينها، وتغلطين وتتوهمينها حباً.)
إنه صوت العقل. . . العقل الذي ركن إلى الاتزان، وابتعد عن صحراء الحب وعطشه. . . وقد فطنت الصغيرة عايدة لذلك فصرخت في وجهه قائلة:(إنك آلة مفكرة لا إنسان من لحم ودم!)
وقد صدقت عايدة. . . تلك التي ماتت وهي تعاني آلام الحب المجروح الذي وقف متضرعاً أمام هيكل العقل المكين. . . وإبراهيم الثاني يعرف مبلغ تحكم العقل فيه فقال يصف نفسه (ويعرف من يعرفونه أنه رجل عاطفة ووجدان، وإحساس مرهف وأعصاب كالأوتار المشدودة. . . ولكنهم كثيراً ما كان يخفى عليهم أن عقله مسيطر على عاطفته، وأن زمام نفسه لا يفلت من إرادته، وأن العواطف عنده تتحول إلى فكرة. . . فهي غذاء لعقله، كما يتحول الطعام قوة في بدنه. . .)
وأين هذه القمة الباردة من لهيب العاطفة، وحرارتها في إبراهيم الكاتب؟. إبراهيم المندفع وراء قلبه. . . إذا استقر الحب في سره مدة عذبه، وانقلب حسكا لا يجد الإرادة القوية التي تقف دون إفشائه.
ويلذ لإبراهيم الثاني أن يكون طبيباً نفسانياً يدرس مرضاه، ويسدي لهم النصح ويهديهم سواء السبيل، ويقف أمام (المشرحة) وأمامه نفس تتعذب وتتلوى من الألم. . . وفي صدره إرادة لا يقهرها أي قاهر.
وينفرط عقد القصة، وتبدو الحوادث مفككة الأجزاء حتى ليخيل إليك أنك أمام مذكرات لطبيب نفساني يسرد أعماله النفسية فحسب.
وتنطوي مع صفحة الشباب المندفع صفحة أخرى هي صفحة تشاؤمه وحزنه ويأسه وما