وأنا أقرأ ترجمته لقصة قصيرة من قصص موباسان هي (الحلية وأشهد لقد رجعت إلى النص الفرنسي لأراجع عليه الترجمة العربية فما رأيت عبارة قلقة في ثنايا التعبير، ولا شهدت لفظاً في غير موضعه من الأداء، وما لمست أثراً للتضحية بدقة المقابلة في سبيل المحافظة على جمال التعبير. . . ولقد ذكرت هذه الظاهرة الفريدة ذات يوم للدكتور طه حسين فكان جوابه أن ما خطر لي قد خطر يوماً له، وأن ما وقع في ظني قد وقع يوماً في ظنه، وكان ذلك حين قرأ (آلام فرتر) للزيات، ولكنه حين رجع إلى القصة في أصلها الفرنسي لم يملك أمام حرفية الترجمة وبلاغة الأداء، إلا أن يكتب مقدمتها الرائعة تحية إعجاب وتقدير!
قصة طريفة:
منذ عشرة أشهر على التحديد، وفي إحدى المناسبات وأنا أنقد كتاباً في مكان آخر غير الرسالة، قلت عن الدكتور الشاعر إبراهيم ناجي:(. . . هذا شاعر رفيق مجدد، ولكنه شاعر في حدود القصيدة التي لا تتعدى في طولها عشرة أبيات من الشعر، لأنه ضيق الأفق، محدود الطاقة، لا يعينه جناحاه على التحليق في الأجواء العالية؛ الأجواء التي تتطلب جناحي نسر لا جناحي فراشة)!
قلت هذا عن الدكتور ناجي ومضت بعد ذلك أيام، ثم حدث أن لقيت شاعراً من شعرائنا الشبان يربطه بالدكتور سبب من صلات الود والصداقة، وأبدى الشاعر الشاب رغبته في أن يجمع بيني وبين الدكتور ناجي، لأنني في رأيه قد ظلمت شاعريته حين وصفتها بهذه الكلمات التي انتهت بجناح الفراشة. . . وكان ردي على الشاعر الشاب أنني لم أر صديقه في يوم من الأيام، وليس بيني وبينه ما يدفع الناس إلى شيء من سوء الظن إذا ما أشدت بحسناته أو أشرت إلى سيئاته، ومهما يكن من شيء فليس هناك ما يحول بيني وبين لقائه!
وحدث مرة أخرى أن كنا في ندوة الرسالة فجاء ذكر الدكتور ناجي على لسان أديب شاب، ما لبث أن وجه إلي الحديث مذكراً بتلك الكلمات التي كتبتها عنه، خاتماً هذا الحديث بقوله: إن ناجي سيقدم في القريب دليلاً فنياً يرد به على نقدي. . .
أما هذا الدليل الفني فهو ملحمة تحت الطبع بلغت فيها الطاقة الشعرية ثلاثمائة بيت من الشعر. وكان ردي على الأديب الشاب أنني على استعداد لتقديم هذه الملحمة إلى القراء